ولا أدري لماذا لم يُجب الأخ حارث عن أسئلتي، وبدلاً من ذلك راح يضخّم المسألة ويوهم القارئ أنني أقول بقبول الأحاديث بدون إسناد أو بإسناد ضعيف وأنني أخرق الإجماع وما إلى ذلك؟؟
قلتُ له إنّ أقوال أبي حنيفة و فتاويه إنّما هي مرويّة عن طريق الحسن بن زياد اللؤلؤي ومحمد بن شجاع الثلجي وكلاهما متروك باتّفاق، فهل نستخدم كلام أهل الجرح والتعديل فيهما عندما ينقلان عن أبي حنيفة؟ إذا قال نعم. قلنا له إذاً ضاع المذهب!
قلتُ له: إنّ الكثير من أقوال وفتاوى مالك والشافعي وسفيان والليث وغيرهم أسانيدها منقطعة ولكنّها مشهورة ومستفيضة في كتب العلماء وتلقّوها بالقبول، فهل نطرحها لأجل الانقطاع؟ فلم يجب أيضاً. وراح يتكلّم عن نسبة الكتب ونسبة الأقوال والفرق بينهما ... وكالعادة يتكلّف في الكلام .... يا أخي إذا قلنا لك هذا الكتاب يُنسب للشافعي وفيه كلامٌ له عن الصوفيّة. أو قلنا لك هذا القول في الصوفيّة يُنسب للشافعي، وكلى الأمرين بنفس النسبة فما الفرق بينهما؟؟ هذا ما أردته لا ما ظننته ووصفتني بالذي يخلط ...
وكالعادة يمنعني من القبول بكتاب الشافعي بدون سند صحيح متّصل، ويستشهد بشيخ الإسلام ابن تيميّة الذي يقبل الكتب بدون سند إذا كانت مشهورة عند العلماء؟؟؟!! وهذا ما رواه الأخ حارث: شيخ الإسلام ابن تيمية وشمس الدين ابن القيم الذين مع معرفتهما بهذا الشأن بل مع إمامتهما فيه يحتجان بتلك الرسائل في الجملة (أي التي ليس لها سند يعوّل عليه).
ليتك يا أخ حارث تلتزم بطريقة ابن تيميّة في التعامل مع الأمور فعندها يكون منهجك واضحاً ونعلم أنّ لك سلفاً تتبعه!
وأمّا الإجماع الذي تذكره فهو في الأخبار النبويّة، وهذا الإمام الحافظ ابن عبد البر القرطبي المالكي الذي تروي عنه الإجماع يقول:
1ـ حديث سادس وعشرون من البلاغات
مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما بيعين تبايعا، فالقول قول البائع أو يترادان)
......... وهذا الحديث محفوظ عن ابن مسعود كما قال مالك، وهو عند جماعة العلماء أصلٌ تلقّوه بالقبول، وبنوا عليه كثيراً من فروعه؛ واشتهر عندهم بالحجاز والعراق شهرةً يُستغنى بها عن الإسناد.كما اشتهر عندهم قوله ـ عليه السلام ـ (لا وصية لوارث)
ومثل هذا من الآثار التي قد اشتهرت عند جماعة العلماء استفاضة يكاد يستغنى فيها عن الإسناد لأن استفاضتها وشهرتها؛ عندهم؛ أقوى من الإسناد. انتهى
التمهيد ج 24 صـ290
2ـ وقال أبو عمر: هذا الحديث وإن كان في إسناده مقال من جهة الانقطاع مرة وضعف بعض نقلته أخرى فإن شهرته عند العلماء بالحجاز والعراق يكفي ويغني. انتهى
التمهيد ج24صـ293
3ـ وقال ابن عبد البر: حديث ثان وثلاثون من البلاغات
مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه).
وهذا أيضا محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد وروى في ذلك من أخبار الآحاد أحاديث من أحاديث أبي هريرة وعمرو بن عوف. انتهى التمهيد ج 24 صـ 331فهل هذه النقول تجيب عن سؤالك الاستنكاري لي: وهل وجدت أثراً واحداً لا يعرف له سند يعرف قالوا شهرته تغني عن إسناده؟
وأمّا قصّة رسالة عمر في القضاء فبعد أن ساق خبرها ابن القيّم في كتابه أعلام الموقّعين ج1صـ92 قال في ختامه: " قال أبو عبيد: فقلتُ لكثير: هل أسنده جعفر؟ قال: لا ".
ثم علّق على ذلك ابن القيم فقال: وهذا كتابٌ جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، و الحاكم والمفتي أحوج شيء إليه و إلى تأمله والتفقه فيه. انتهى
و هذه القصة كما تعلم ليس لها سند يصح.
أم أنّ الأخ حارث يريد صورة إسناد فقط بغضّ النظر عن صحّته أو ضعفه واتّصاله أو انقطاعه؟
ــ وأوجه للأخ حارث هذا السؤال: إذا قال لك شخصٌ إنّ إسنادي في القرآن هو عن ... عن ... عن حفص عن عاصم ..
¥