فهل ستقول له إنّ حفصاً قال عنه البخاري: تركوه وقال مسلم متروك وقال ابن معين ليس بثقة كان كذّاباً،وقال ابن المديني والنسائي وأحمد: متروك الحديث، وقال صالح محمد: أحاديثه كلها مناكير، وقال ابن خراش: كذّاب متروك يضع الحديث، وقال عبد الرحمن بن مهدي: لا تحلّ الرواية عنه ...
فسندُك بالقرآن غير صحيح وباطل؟! أم تقول له إنّ حفصاً متروك الحديث نعم؛ ولكنّه إمامٌ في القراءة. كما أنّ الواقدي متروك الحديث مع إمامته في السيرة والتواريخ. وكذلك شأن الكثير من الفقهاء لا يُأخذ حديثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في حين هم مرجع في حديث إمام مذهبهم.
الذي أحببتُ أن أنبّه إليه في مشاركتي السابقة، هو أنّ المنهج الجديد الذي بدأ البعض بنشره والتعويلِ عليه، والقاضي بمعالجة السِّيَر والتواريخ والأشعار والحِكَم وأمثال ذلك، بنفس الطريقة التي يُعالج بها الحديث النبوي الشريف، منهجٌ محدث (وبالمناسبة فإنّ شيخ الإسلام ابن تيميّة لم يكن هذا منهجه كما هو واضح للباحثين في كتبه)
قال ابن تيمية في الفتاوى ج14صـ365: " ومن الناس من يحكي عن سهل بن عبد اللّه: أنه لما دخل الزّنْجُ البَصْرة، قيل له في ذلك، فقال: هاه إن ببلدكم هذا من لو سألوا اللّه أن يزيل الجبال عن أماكنها لأزالها، ولو سألوه ألا يقيم القيامة لما أقامها، لكنهم يعلمون مواضع رضاه، فلا يسألونه إلا ما يحب. وهذه الحكاية، إما كذب على سهل ـ وهو الذي نختار أن يكون حقاً ـ أو تكون غلطاً منه، فلا حول ولا قوة إلا باللّه وهذه. " أرأيتَ كيف يتعامل شيخ الإسلام مع أخبار الرجال!. وكمثال قريب يقول بعضهم في كتابٍ له إنّ قصيدة ابن المبارك: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا .....
باطلة لأنّ في سندها فلان متروك الحديث.
ـ لقد مضى على هذه القصيدة أكثر من أحد عشر قرناً تناقلها العلماء والفقهاء والمحدّثين والمفسّرين بالرضى والقبول،قبلَ الأدباء والشعراء، ولم يرد أنّ أحداً أنكرها. فما معنى ما يحدث في هذه الأيّام؟!
أنا أفهم أنّه في حالة وروود قصيدة أو مقولة أو حادثة معيّنة فيها إشكال كبير وينبني عليها خلاف كبير فإننا نضطرّ إلى الاحتكام لكتب الجرح والتعديل ومعالجة السند بالطريقة المعروفة حديثياً، هذا لا خلاف فيه (ومن المستغرب جداً أن يكون كل العلماء السالفون قد مرّوا على تلك الأحداث ولم ينكروها ثمّ نحن اليوم نزعم أنّ فيها ما يُنكر) وقد قلتُ سابقاً إذا تعلّق الأمر بالحكم على مسلم بالكفر أو الزندقة أو ما شابه ذلك فلابد من توخي الحرص والتّثبت. وما ذكرته عن أخبار الصحابة لم أعن فيه ما جاء عنهم من أمور الحلال والحرام التي تعلّموها من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ... كما فهم الأخ حارث، وإنّما قلتُ أخبارهم وفتاويهم. والله المستعان.
ــ وأمّا ما ذكرتُهُ في مشاركتي السابقة من كون الصوفيّة منذ نشأتها في الإسلام غير مَرْضِيّة ولم يسلكها الأئمّة المتّبعون، وإنّما نُسِبَ إليها أشخاص أفاضل أمثال الفُضيل وبشر الحافي ولا شأن لهم بها، كما أنّه انتَسَبَ إليها رجالٌ عبّاد وزهّاد وأهل صدق وصلاح أمثال الجنيد والسري السقطي وتَنَزّهوا عن كثيرٍ من أفعال الصوفيّة المخالفة للشرع ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ باقي رجال الصوفيّة الذين هم من طبقتهم كانوا على حالٍ مُرْضِيَة، والصحيح إطلاق الذم على الصوفيّة واستثناء أمثال الجنيد.
فأنا مازلت على هذا القول، لأنّ أمثال الفضيل ومعروف الكرخي وبشر الحافي ومالك بن دينار وأمثالهم من علماء المسلمين الربانيين، لم يصفوا أنفسهم بأنهم متصوّفة ولم يصفهم أقرانهم ومن عاصرهم من العلماء بالصوفيّة!! في حين أنّ الجنيد وصف نفسه بالصوفي وطريقته وعلمه بالتصوّف.
ـ هل وجد الأخ حارث كلاماً للإمام مالك أو سفيان أو أبو حنيفة أو الشافعي وأمثالهم ممن هم في طبقتهم، يصفون فيه الفضيل أو مالك بن دينار أو الكرخي بالمتصوّفة؟؟ إذا كان عندك نقلٌ بهذا الخصوص فأظهره لنا.
لقد سألَ رجلٌ مالكاً: مَنْ أهلُ السُّنّة يا أبا عبد الله؟ قال: " الذين ليس لهم لقبٌ يُعرفون به، لا جهمي ولا رافضي ولا قدري .. " انتهى ترتيب المدارك ج1 صـ 172
¥