ولا أدري لماذا لم يُجب الأخ حارث عن أسئلتي، وبدلاً من ذلك راح يضخّم المسألة ويوهم القارئ أنني أقول بقبول الأحاديث بدون إسناد أو بإسناد ضعيف وأنني أخرق الإجماع وما إلى ذلك؟؟
قلتُ له إنّ أقوال أبي حنيفة و فتاويه إنّما هي مرويّة عن طريق الحسن بن زياد اللؤلؤي ومحمد بن شجاع الثلجي وكلاهما متروك باتّفاق، فهل نستخدم كلام أهل الجرح والتعديل فيهما عندما ينقلان عن أبي حنيفة؟ إذا قال نعم. قلنا له إذاً ضاع المذهب! "
فما أنصفتني فيه وقد قلت لك ما سبق لأنك باختصار تورد الآثار التي ليس لها سند مستدلاً بها محتجاً وهذا هو مربط الفرس، وأدعو القارئ الكريم لمراجعة ما قيل في الرد السابق على صاحبنا الفاضل.
أما الكتاب الذي تشير إليه فلم أبحث أمر نسبته ولذلك لم أتكلم فيه بخصوصه، ولا يعني هذا أني لم أجب على وجه العموم، ولكن إن كنت ترى أن نسبته لاتصح فببساطة لاتنسب عن الإمام قولاً تحكم عليه به فيه بسند لايصح عندك. أما إذا نسبته مستأنساً به أو ناقلاً ما قيل فلا حرج.
وما ذكرته عن النقول عن الأئمة كذلك، ولا يعني هذا أني قد أغفلت جوابك بل أجبتك بكلام عام بينت فيه المنهج المرضي تجاه المسألة، في كلام عام يشمل ما ذكرت وغيره مما لم تذكر، فكيف تزعم أني لم أجبك عفى الله عنك؟ وهنا أدعو القارئ الكريم مرة أخرى لمراجعته في الرد السابق.
أما منهج شيخ الإسلام فقد فصلته لك وبينت الفرق بين نسبة الكتب التي نقلتها الأمة جيلاً عن جيل دون نكير في الجملة وماهو الذي يرد منها ومثلت بصحيفة علي بن أبي طلحة فيما أذكر وفرقت بين هذا وبين إثبات صحة الأقوال المنقطعة التي لا إسانيد لها وليراجعه من شاء.
أما ما نقلته من كلام لابن عبدالبر فإن كنت تستدل به على أن تلك آثار لاأسانيد لها وقد تلقتها الأمة بالقبول، فأقول لك أين هو الأثر الذي لا إسناد له فيها؟ مع أنه نص في الأخير منها على أنه محفوظ معروف مشهور! وما قبلهما مثله لهما أسانيدها المعروفة والتي فيها ضعف وليست كأثر النصيبي لا أصل لها ولا سند يعرف، ولم يقل إمام أن الأمة تلقته بالقبول، أو يزعم بأن شهرته تغني عن إسناده، بل دللت على عدم اشتهاره بشيء من كلام المالكية، كما أن في الرد السابق بيان أن ما ذكرته عن ابن عبدالبر في هذه ونحوها لايعدو كونه إجماع أو خلاف، فإذا كان إجماع فالإجماع حجة، وإن كان غير مجمع عليه فبم تحتج؟ وفي الرد السابق فوائد أخرى فراجعه أيها القارئ الكريم.
أما قصة كتاب عمر في القضاء فأين ما نقلته هنا من كلامك الأول؟ مع أني قد عقبت على هذا المعنى هناك.
والحاصل أخي الفاضل لم أتعمد إغفال شيء من كلامكم، وبالمقابل لعلكم تجدون في ردي عليكم والذي يليه قرابة المائة استفاهم –وليست هذه مبالغة ولك أن تعدها أيها القارئ الفطن- لم تجيبوا على أكثر من نصفها فيما أحسب.
أما ما ذكرته من كلام حول نسبة الكتب فكنت أتمنى أن تعقب على كلامي فيه لأثق من حسن فهمك له فربما اسأت التعبير فلم أُفهم، وعلى العموم أحيل مرة أخرى إلى ما سبق، ويكفيني منك هنا قولك: " أنا أفهم أنّه في حالة وروود قصيدة أو مقولة أو حادثة معيّنة فيها إشكال كبير وينبني عليها خلاف كبير فإننا نضطرّ إلى الاحتكام لكتب الجرح والتعديل ومعالجة السند بالطريقة المعروفة حديثياً"، ونحن هنا نختلف في تبديع طبقة أو إخراجهم من جملة أهل السنة، إخراجهم من جملة الفرقة الناجية، إلى حيز البقية التي في النار، إلاّ افراداً سميتهم، أليس هذا إشكال كبير ينبني عليه خلاف كبير أحسن الله إليكم؟
وقولكم بورك فيكم: " هل وجد الأخ حارث كلاماً للإمام مالك أو سفيان أو أبو حنيفة أو الشافعي وأمثالهم ممن هم في طبقتهم، يصفون فيه الفضيل أو مالك بن دينار أو الكرخي بالمتصوّفة؟؟ إذا كان عندك نقلٌ بهذا الخصوص فأظهره لنا.
لقد سألَ رجلٌ مالكاً: مَنْ أهلُ السُّنّة يا أبا عبد الله؟ قال: " الذين ليس لهم لقبٌ يُعرفون به، لا جهمي ولا رافضي ولا قدري .. " انتهى ترتيب المدارك ج1 صـ 172".
¥