فجوابه: لايلزم من ذلك أن أجد، كما لايلزم في إثبات أن عبدالله بن وهب، وعبدالرحمن بن القاسم، وأشهب بن عبدالعزيز، وأبو محمد بن الحكم، وأصبغ بن الفرج، وشبطون، وابن المواز، ويحيى بن يحيى، .... إلخ مالكية وجود نص من إمام معاصر يفيد أنهم مالكية ولعلك لن تجد في بعضهم.
فمن اشترط لصحة النسبة وجود نص من إمام معاصر للمنسوبين لها فقد غلط، فإن أبى قيل له ماهي حجتك على ما تقول؟ وهل عدم النقل نقل للعدم عندكم؟
وقد نسب إلى مذهب مالك أناس لا تجد في أقوال معاصريهم أنهم مالكية، وكذلك لأبي حنيفة والشافعي وأحمد، واقرأ المقصد الأرشد لتجد نسبة من تنوزع فيهم أحياناً.
ومع ذلك فلا يختلف أئمة الشأن في جملة هؤلاء أنهم مالكية وشافعية وحنابلة وحنفية، كما نصوا على أن من ذكرت لك صوفية وقد مضى بعض النقل في ذلك وإن شئت زدتك.
أما النقل الأخير عن الإمام مالك فهل تفهم منه أن من نسب لأبي حنيفة أو أحمد أو الشافعي أو مالك فليس من أهل السنة؟ أخالك تقول لا، لا يفهم منه ذلك، ولكن من انتسب إلى فرقة مخالفة لاعتقاد أهل السنة فهو كذلك. فإذا كان هذا هو جوابك فإن الصوفية في ذلك العصر لم تثبت بشيء يذكر أنها فرقة مستقلة عن جملة أهل السنة، بل بعض من ألف في الفرق عدهم من جملة أهل السنة، وأول من فرق من المؤلفين في الفرق فجعلهم فرقة مستقلة الرازي في عجب القرن السادس بل ربما أول السابع، على أن في كلامه بعض التفصيل، ولم يؤثر في خمسة قرون قبله هذا التفريق من قبل المؤلفين في الفرق أو أحد من الأئمة فيما أفهم.
أما ماذكرت أنه معنى خاص بي في مصطلح الصوفية فقد يكون لكنه ليس خاصنا بي لوحدي بل هو المعنى عند شيخ الإسلام ابن تيمية ولهذا عد من جملتهم من أنكرت، وهو المعنى عند مؤرخي الإسلام كالبرزلي والذهبي وأضرابها، ولهذا عدوا فيهم من ذكرت بل نسب اللقب إلى بعض الصحابة الذهبي يرحمك الله قريباً من كلام الهروي الذي نقلته!
أما استثناؤك أنت لهؤلاء منهم فلم أر أحداً من أهل العلم خلال ثلاثة عشر قرناً يقوله إلاّ بعض الباحثين [رأيت بحوثا لبعضهم ثلاثة منها رسائل علمية] في عجز زماننا هذا!! فإن كان عندك نقل يستثنيهم فاذكره مشكوراً، لأن جملة الصوفية يجمعون على أنهم منهم، ولذا يستهلون بهم تراجمهم، ولأن ماذكره كثير منهم في معنى التصوف يشملهم، ولأن هناك أقوالاً وأحاديث تذكر تثبت هذا فيما نقل عن بعض من أنكرت (أستأنس) بها، ولأن أعظم مؤرخي الإسلام نقلوه ولأني لا أعلم من خالف إلاّ من ذكرت لك.
أقول ومع هذا ذكرت في الرد السابق إن كان هذا اصطلاح تخرج بهم أمثال هؤلاء من حد الذم فلا مشاحة حينها في الاصطلاح ويكون الخلاف معك أهون ومع ذلك أبيت إلاّ أن تصفني بالصخب، سبحان الله! اللهم إني صائم.
ثم قلتم: " والذي أحب أن أنبّه الأخ حارث عليه هو أنّ كلمة صوفي وصوفيّة موجودة ومستخدمة قبل الإسلام، ونجد في تراجم رجال الكنيسة النصارى من يوصف بأنّه صوفي! فهم يقولون أغناطيوس الصوفي مثلاً. ولذلك عندما جاء ذلك الرجل من أهل نَصيبين (وهي في شمال بلاد الشام حيث الروم النصارى) للإمام مالك وقال له عندنا قومٌ يُقال لهم الصّوفيّة ثمّ ذَكَرَ أفعالهم العجيبة ... أجابه مالك قائلاً: ما سمعتُ أنّ أحداً من أهل الإسلام يفعلُ هذا.
فلو كان مالك يصف أمثال الفضيل بأنه صوفي لَمَا أجاب بذلك الجواب"
أقول: هذا كلام يذكر لا دليل عليه ولايلتفت إليه، ولو ذكرت ما نقله السراج في اللمع المنسوب إليه لكان أقوى فعلى الأقل لذلك أسانيد تروى. ولعله بين أهل العلم شبه اتفاق على أن هذا الاسم حادث في القرن الثاني، بل نقل النووي الإجماع وتأمل الإجماع على حدوثه أواخر القرن الثاني أي قريباً من تاريخ وفاة الإمام مالك!
ثم قلتم: "ولذلك عندما جاء ذلك الرجل من أهل نَصيبين (وهي في شمال بلاد الشام حيث الروم النصارى) للإمام مالك وقال له عندنا قومٌ يُقال لهم الصّوفيّة ثمّ ذَكَرَ أفعالهم العجيبة ... أجابه مالك قائلاً: ما سمعتُ أنّ أحداً من أهل الإسلام يفعلُ هذا.
فلو كان مالك يصف أمثال الفضيل بأنه صوفي لَمَا أجاب بذلك الجواب" .. إلخ ما نقل.
يا صاحبي ثبت العرش ثم انقش!
قلت لك مراراً احتجاجك بهذه المعضلات يفتح عليك الباب ويجرؤ عليك أهل التصوف.
¥