- أن يكون من أوليات جوابك أس الخلاف بيننا -ولنبتعد عن الحواشي والفوائد الجانبية-إثبات النقول التي تصلح حجة لك أمام الله تعالى تخرج بها عامة متقدمي الصوفية من جملة أهل السنة؟ وبيان وجه دلالتها؟ ويلزمني حينها أن أقرك أو أذكر المانع أو أنقل العذر. ولايخفاك هنا أن ما نقلته عن بعض الأئمة ليس حجة، ثم إن بعضه ولاسيما عن غير الشافعي لايثبت، وما ثبت يفيد مطلق الذم ولايلزم من مطلق الذم إخراج عن دائرة أهل السنة كالوصف بالغباء أو الحمق أو البدن (السمن) المذموم أو غيره.
- حبذا لو كان جوابك عقب رمضان فلا أحب أن تشغل نفسك بالدون والشهر شهر القرآن، وأخبركم بأنكم لو عقبتم فلن أنظر في الرد قبل مضي الشهر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[حارث همام]ــــــــ[04 - 10 - 05, 03:46 م]ـ
كما وعدت في الرد السابق وقد وعدت بهذا الأخ الكريم حنبل سلفاً بذكر أقوال أهل العلم والاختصاص قديماً وحديثاً في الطبقة الأولى من المتصوفة هل كانوا من أهل السنة؟ أو كانوا زنادقة! أو كانوا مبتدعة في عامتهم إلاّ من استثني، وكأن الخلاف الآن بين المتحاورين في الأول والأخير مع الاتفاق على إساقط رميهم بالزندقة أو الكفر. ولعلي أبسط الكلام هنا فهو غير موجه للأخوين الكريمين حنبل وأبو إدريس وإن اشتمل على جوابهما.
والذي يظهر للباحث أنه لايصح إطلاق القول في الصوفية إلاّ على ما قرر آنفاً طالما أن الحديث عن جملتهم متقدميهم ومتأخريهم.
إلاّ أنه لاينبغي أن نغالط في أن عامة المتأخرين من جملة أهل الأهواء والبدع.
وأن عامة المتقدمين من جملة أهل السنة، وفيهم من أئمتها. ولا ينافي هذا وجود بعض المبتدعة فيهم. كشأن عامة الفقهاء المنتسبين في تلك المدة.
وهؤلاء شأنهم شأن باقي أهل السنة فلبعض أئمتهم اجتهادات لاتخرجهم عن دائرتها إلى حيز أهل الأهواء والبدع شأنهم شأن كثير من الأئمة في الماضي والحاضر. ولعوامهم أفعال منكرة وقعوا فيه بجهل وسفه لايخرجهم ذلك عن حد عوام أهل السنة، وشأن هؤلاء شأن عامة منتسبي المذاهب الفقهية من العلماء والعامة في صدورهم الأولى، فلم يكن التصوف فكرا عقدياً إذ ذاك وإنما كان سلوكاً عملياً تعبدياً كما كان لأصحاب المذاهب مسلكهم العلمي، ولهذا من ألف في الفرق قديماً لم يذكرهم كفرقة مستقلة، بل ما ذكرهم أول من ذكرهم إلاّ الرازي في القرن السادس وهو معاصر لابن عربي، واستدرك على من سبقه وكان من سبقه أبصر بالفرق والرجال منه، على أن الرازي وصف بعضهم بحسن الطريق فكأنه فصل. بل أبعد من هذا كان يعدهم من كتب قبله في الفرق من جملة أهل السنة نصاً كأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي في الفرق بين الفرق حيث يقول: " والصنف السادس منهم [يعني ما عنون له: الفصل الأول من فصول هذا الباب في بيان أصناف أهل السنة والجماعة]: الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا، واختَبروا فاعتبروا، ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أُولئك مسؤول عن الخير والشر، ومحاسب على مثاقيل الذر، فأعدُّوا خير الإِعداد ليوم المعاد، وجرى كلامهم في طريقَيْ العبارة والإِشارة على سَمْتِ أهل الحديث دون من يشتري لهو الحديث، لا يعملون الخير رياء، ولا يتركونه حياء، دينُهم التوحيد ونفي التشبيه، ومذهبهم التفويضُ إِلى الله تعالى، والتوكلُ عليه والتسليمُ لأمره، والقناعةُ بما رزقوا، والإِعراضُ عن الاعتراض عليه. {ذلكَ فضلُ اللهِ يؤتِيهِ مَنْ يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ} ".
وذكر نحوه غيره، حتى أن ابن حزم لما أشكلت عليه أقوال طوائف من حلوليتهم ومارقتهم لم يجد فرقة ينسبهم إليها، فقال ذكر طائفة لاتعرف لهم فرقة أو نحو هذا، وهذا يدل على أنهم لم يكونون يعدون فرقة عقدية مستقلة، إلاّ مؤخراً.
ومع ذلك وقع الخلاف في ذم أولئك المتقدمين فذمتهم طائفة من أتباع الأئمة، ومتعلقات ذمهم مختلفة، ولايلزم من الذم الإخراج عن جملة أهل السنة كما هومعلوم، فكم من عوام السنة مذمومون وهم أهل السنة، وعلى الطرف الآخر غلت طائفة فيهم، كما حصل مع أصحاب الرأي من الفقهاء، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
¥