ولعل من أشهر من يستشهد به في ذمهم من المعاصرين الشيخ إحسان إلهي ظهير –عليه رحمة الله- والشيخ عبدالرحمن الوكيل –يرحمه الله- ولعل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان يميل إلى هذا الرأي وهو أجل من رأيته من المعاصرين ينحى إليه.
وعلى هذا الرأي طائفة من الدكاترة والباحثين كالشيخ الدكتور محمد العبدة، وصاحبه طارق عبدالحليم في كتيبهم الصوفية نشأتها وتطورها، مع أنهم ذكروا مراراً أن انحراف المتقدمين كان يسيراً ولم يبن لي هل يرون ذلك الانحراف اليسير مخرجاً عن حد أهل السنة أو لا، وكان جديربهم أن يصرحوا طالما تصدوا للكلام في المسألة.
وممن يرى انحراف عامة الصوفية حتى صدرهم الأول بعض المشايخ في هذا المنتدى، وقد مضت الإحالة على مقالات بعضهم، ويبدو لي أن الشيخ المشار إليه تبع في مقالاته الدكتور أحمد القصير في رسالته عقيدة الصوفية ووحدة الوجود الخفية، ولعله نقل منها في كتاباته هنا شيئاً.
غير أنه لم يصرح بتبن رأيه والذي أبعد فيه الدكتور عفا الله عنه، فقد نسب الفعال الشنيعة وفقاً لنقول لا خطام لها لجملة من الصدر الأول دون تحر من الأسانيد لايليق بأطروحته، ولايوافق المنهج العلمي في الحكم على الفرق.
هذا وقد مضت الإشارة إلى مقالات وكتابات تنصر هذا الرأي أو قريبة منه، وجل هؤلاء يرون أن التصوف بدء منحرفاً انحرافاً يسيراً عن أهل السنة ثم اتسع.
وهؤلاء المعاصرين كثيراً ما يتبنون الرأي الإستشراقي القائل بالعلاقة بين الصوفية وبين الفلسفة الهندية وتارة اليونانية وتارة غيرهما! مستشهدين به على صواب ما جنحوا إليه.
وأقول هذا رأي استشراقي لعدم معرفتي بأحد أعلام الشريعة رجحه أو قال به خلال أربعة عشر قرناً من قرون الإسلام! فحتى ابن الجوزي والذي يعد من أشهر من قال بذم الصوفية بل هو حامل لواء ذلك وفقاً لقول بعض الباحثين في الشأن، فقد وصف صدرها الأول بشيء من الانحراف متبعاً في ذلك شيخه ابن عقيل الذي نشأ معتزلياً وعداء هؤلاء للصوفية قديم، ثم بقي معه بعد رجوعه وتوبته من الاعتزال ذم أولئك، أقول حتى ابن الجوزي لم ير صحة هذه النسبة بل نسبهم إلى قبيلة من العرب، وقد أبعد.
أما هذه النسبة إلى الفلسفة فما راجت عند الباحثين إلاّ في القرنين الأخيرين، وبالمقابل هو القول الشائع عند كثير من المستشرقين كما يقول المستشرق الشهير ر. ا. نيكسون. وهؤلاء لايتوقفون كما يتوهم البعض لتخصص دراسته مثلاً عند اتهام تصوف الصدر الأول بالاقتباس من الحضارات، بل يتهمون الإسلام جملة فهم يكررون" أن الإسلام أخذ من اليهودية والمسيحية، وأن فكرة العقل مأخذوة من تفكير المسحيين واليهود، وأن حياته الروحية مأخوذة من هذه وتلك، وأن شريعته مزيج من قوانين اليهود والنصارى، وأن أخلاقياته هي المسيحية المعدلة" [ينظر كتاب النشار نشأة الفكر 3/ 185] ولايشك عاقل في أن من المستشرقين من أبدى سوء النية كأمثال شبرنجر في إساءاته المتكررة لنبينا صلى الله عليه وسلم، و جولد تسهير بطوعناته المتكررة في السنة.
ولا يعني ذلك أنه ليس فيهم أهل إنصاف وبحث موضوعي التزموا جانب الأمانة العلمية من أمثال سيديو و جو سناف لبون وغيرهما. وهنا يحسن التنبيه إلى أن عامة المستشرقين يعجبون ويثنون على التصوف المتأخر لأغراض لا تخفى.
أما في الإسلام فأشهر من يقرر النسبة بين التصوف وبين الفلسفة على مدار تسعة عشر قرناً هو البيروني في القرن الخامس، والبيروني فيلسوف، وصاحب فنون أو علوم غير شرعية، ولم يكن له في علم الشريعة، ومعرفة الفرق والمذاهب، شيء يذكر.
على أن كبار المستشرقين الذين يشار إليهم بالبنان من أمثال نيكسون هذا ومن قبله نولدكه، بينوا أن ذلك ليس بالرأي المنصف الصواب، فأخرج أولاً نولدكه رسالة حول الموضوع نشرت عام 1894 بين في يقين بطلان ما يذكره المستشرقون، وقطع بأن الكلمة مشتقة من الصوف. وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه قول جمهور المتصوفة، واختاره ابن خلدون، وغير واحد من المحققين.
يقول نيكسون في كتابه الصوفية في الإسلام مبيناً الفرق بين اللفظ المزعوم وبين مصطلح التصوف أو الصوفية: "واللفظان على كل حال ليسا مترادفين تماماً" يعني كلمة mystic بمدولالتها.
¥