ولم يصح عن أحد من السلف أنه فعل ذلك.
فكلام هؤلاء يقتضي جواز سؤال الميت والغائب.
وقد وقع دعاء الأموات والغائبين لكثير من جهال الفقهاء والمفتين، حتى لأقوام فيهم زهد وعبادة ودين! ّ
ترى أحدهم يستغيث بمن يحسن به الظن حيا كان أو ميتاً.
وكثير منهم تتمثل له صورة المستغاث به وتخاطبه، وتقضي بعض حوائجه، وتخبره ببعض الأمور الغائبة.
ويظن الغِرُّ أنه المستغاث به، أو أن ملكا جاء على صورته.
وإنما هي شياطين تمثَّلت له به، وخيالات باطلة، فتراه يأتي قبر من يحسن به الظن إن كان ميتاً، فيقول: يا سيدي فلان .. أنا في حسبك .. أنا في جوارك .. أنا في جاهك .. قد أصابني كذا .. وجرى عليَّ كذا.
ومقصوده قضاء حاجته، إما من الميت، أو به.
ومنهم من يقول للميت: اقض ديني واغفر ذنبي، وتب عليَّ.
ومنهم من يقول: سل لي ربك!
ومنهم من يذكر ذلك في نظمه ونثره.
ومنهم من يقول: يا سيدي الشيخ فلان، أو يا سيدي رسول الله .. نشكو إليك ما أصابنا من العدو .. وما نزل بنا من المرض .. وما حل بنا من البلاء.
ومنهم من يظن أن الرسول، أو الشيخ يعلم ذنوبه وحوائجه، وإن لم يذكرها، وأنه يقدر على غفرانها، وقضاء حوائجه، ويقدر على ما يقدر عليه الله، ويعلم ما يعلمه الله.
وهؤلاء قد رأيتهم، وسمعت هذا منهم.
ومن شيوخ يقتدي بهم ومفتين وقضاة ومدرسين.
ومعلوم أن هذا لم يفعله أحد من السلف، ولا شرع الله ذلك ولا رسوله، ولا أحد من الأئمة، ولا مع من يفعل ذلك حجة شرعية أصلاً.
بل من فعل ذلك كان شارعا من الدين ما لم يأذن به الله.
فإن هذا الفعل منه ما هو كفر صريح، ومنه ما هو منكر ظاهر.
سواء قُدِّرَ أنَّ الميت يسمع الخطاب كما إذا خُوطِبَ من قريب.
أو قُدِّرَ أنه لا يسمعه، كما إذا خوطب من بعيد.
فإنَّ مجرد سماع الميت للخطاب لا يستلزم أنَّه قادر على ما يطلب الحي منه، وكونه قادرا عليه لا يستلزم أنَّه شرع لنا أن نسأله، ونطلب منه كل ما يقدر عليه.
فليس لنا في حياة الرسل أن نسألهم كل ما يمكنهم فعله.
بل ولا نسأل الله تعالى كل ما يمكنه فعله.
بل الدعاء عبادة شرعية، فكيف يجوز أن نسألهم ذلك بعد مماتهم، وليس لنا أن نسألهم كل ما يقدر الله عليه من المفعولات، ليسألوا ربهم إياه؟!
كما سأل قوم موسى موسى أن يريهم الله جهرة، وسألوا المسيح إنزال المائدة، وسألوا صالحا الناقة، وسألوا الأنبياء الآيات ... ".
ـ[عبد الرحمن خالد]ــــــــ[16 - 04 - 05, 02:09 ص]ـ
كلام جميل بارك الله فيك ونقل موفق
ورحم الله امر عرف قدر نفسه
ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[23 - 04 - 05, 04:38 م]ـ
قال أبو عبد الرحمن المدني:
ومما يدلك أن هذا الصنيع من وصف ابن تيمية رحمه الله لهذا العمل بالبدعية غير مراد عنده أنه من قبيل البدعة التي هي من جنس الشرك الأكبر الذي يفارق ملابسه به ملة التوحيد = مورد التقسيم إذ إنه رحمه الله جعل المراتب في هذا الباب ثلاثة:
فوسم الأول وهو دعاء غير الله بقوله: (فهذا هو الشرك بالله)
ثم وسم الثاني وهو طلب الدعاء بقوله: (فهذا أيضًا لايستريب عالم أنه غير جائز،وأنه من البدع التى لم يفعلها أحد من سلف الأمة؛ وإن كان السلام على أهل القبور جائز ومخاطبتهم جائزة .... )
وهاكم النقل (الفتاوى 1/ 351):
وقد ذكر علماء الإسلام وأئمة الدين الأدعية الشرعية، وأعرضوا عن الأدعية البدعية، فينبغى اتباع ذلك. والمراتب فى هذا الباب ثلاث:
إحداها: أن يدعو غير الله وهو ميت أو غائب، سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم فيقول: يا سيدى فلان، أغثنى، أو أنا أستجير بك، أو أستغيث بك، أو انصرنى على عدوى، ونحو ذلك فهذا هو الشرك بالله. والمستغيث بالمخلوقات قد يقضى الشيطان حاجته أو بعضها، وقد يتمثل له فى صورة الذى استغاث به، فيظن أن ذلك كرامة لمن استغاث به، وإنما هو شيطان دخله وأغواه لما أشرك بالله، كما يتكلم الشيطان فى الأصنام وفى المصروع وغير ذلك، ومثل هذا واقع كثيرًا فى زماننا وغيره، وأعرف من ذلك ما يطول وصفه فى قوم استغاثوا بى أو بغيرى، وذكروا أنه أتى شخص على صورتى أو صورة غيرى وقضى حوائجهم فظنوا أن ذلك من بركة الاستغاثة بى أو بغيرى! وإنما هو شيطان أضلهم وأغواهم وهذا هو أصل عبادة الأصنام واتخاذ الشركاء مع الله تعالى فى الصدر الأول من القرون الماضية كما ثبت ذلك، فهذا أشرك بالله نعوذ بالله من ذلك.
وأعظم من ذلك يقول: اغفر لي وتب عليّ، كما يفعله طائفة من الجهال المشركين.
وأعظم من ذلك أن يسجد لقبره ويصلي إليه ويرى الصلاة أفضل من استقبال القبلة، حتى يقول بعضهم: هذه قبلة الخواص والكعبة قبلة العوام.
وأعظم من ذلك أن يرى السفر إليه من جنس الحج، حتى يقول: إن السفر إليه مرات يعدل حجة، وغلاتهم يقولون: الزيارة إليه مرة أفضل من حج البيت مرات متعددة. ونحو ذلك، فهذا شرك بهم، وإن كان يقع كثير من الناس فى بعضه.
الثانية: أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين: ادع الله لى، أو ادع لنا ربك، أو اسأل الله لنا، كما تقول النصارى لمريم وغيرها ـ فهذا أيضًا لايستريب عالم أنه غير جائز،وأنه من البدع التى لم يفعلها أحد من سلف الأمة؛ وإن كان السلام على أهل القبور جائز ومخاطبتهم جائزة كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يغفر الله لنا ولكم، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم،ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم).
وروى أبو عمر بن عبد البر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام.
¥