تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الشيخ العلاّمة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: ((فقوله: ?يُحِيطونَ بِه ? فعل مضارع والفعل الصناعي الذي يسمى بالفعل المضارع وفعل الأمر والفعل الماضي ينحل عند النحويين عن مصدر وزمن كما قال ابن مالك في الخلاصة ():

المصدر اسمُ ما سوى الزمان مِنْ مدلولي الفعل كأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ

وقد حرّر علماء البلاغة في مبحث الاستعارة التبعية أنه ينحل عن مصدر وزمن ونسبة، فالمصدر كامن في مفهومه إجماعاً، فـ"يحيطون" في مفهومها الإحاطة، فيتسلّط النفي على المصدر الكامن في الفعل فيكون معه كالنكرة المبنية على الفتح، فيصير المعنى: لا إحاطة للعلم البشري برب السموات والأرض، فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها، فالإحاطة المسندة للعلم منفية عن رب العالمين، فلا يشكل عليكم بعد هذا صفة نزول ولا مجيء ولا صفة يد ولا أصابع ولا عجب ولا ضحك؛ لأنَّ هذه الصفات كلّها من باب واحد، فما وصف الله به نفسه منها فهو حق، وهو لائق بكماله وجلاله لا يشبه شيئاً من صفات المخلوقين، وما وُصف به المخلوقون منها فهو حق مناسب لعجزهم وفنائهم وافتقارهم، وهذا الكلام الكثير أوضحه الله في كلمتين ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ?، ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ? تنزيه بلا تعطيل، ? وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? إيمان بلا تمثيل، فيجب من أول الآية وهو ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ? التنزيه الكامل الذي ليس فيه تعطيل، ويلزم من قوله: ? وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? الإيمان بجميع الصفات الذي ليس فيه تمثيل، فأول الآية وآخرها إيمان، ومن عمل بالتنزيه الذي في ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ? والإيمان الذي في قوله: ? وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? وقطع النظر عن إدراك الكنه والكيفية المنصوص في قوله: ? وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ? خرج سالماً)) ().

وروى أحمد وأبو داود وغيرهما عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-: ((أنَّ النبي ? نهى عن الأغلوطات)) ().

قال عيسى بن يونس: ((والأغلوطات ما لا يحتاج إليه من كيف وكيف)) ().

وقال الخطابي: ((وفيه كراهية التعمّق فيما لا حاجة للإنسان إليه من المسائل ووجوب التوقّف عمّا لا علم للمسؤول به)) ().

والله - تبارك وتعالى- لم يكلّف عباده ولم يأمرهم بالبحث عن كيفية صفاته ولا أراد منهم ذلك، بل لم يجعل لهم سبيلاً إليه، ((ولهذا لمّا سئل مالك وغيره من السلف عن قوله تعالى: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? قالوا: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وكذلك قال ربيعة شيخ مالك قبله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا الإيمان.

فبيَّن أنَّ الاستواء معلوم، وأنَّ كيفية ذلك مجهول، ومثل هذا يوجد كثيراً في كلام السلف والأئمة، ينفون علم العباد بكيفية صفات الله، وأنَّه لا يعلم كيف الله إلاَّ الله، فلا يعلم ما هو إلاَّ هو، وقد قال النبي ?: ((لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك))، وهذا في صحيح مسلم وغيره ()، وقال في الحديث الآخر: ((اللّهم إني أسألك بكلّ اسم هو لك سمّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك))، وهذا الحديث في المسند وصحيح أبي حاتم ()، وقد أخبر فيه أنَّ لله من الأسماء ما استأثر به في علم الغيب عنده)) ().

بل إنَّ المخلوقَ عاجزٌ عن إدراك كنه كثير من المخلوقات وكيفيتها، فلأن يكون عن إدراك كنه صفات الباري وكيفيتها أعجز من باب أولى، قال رُسته: سمعتُ ابن مهدي يقول لفتى من ولد الأمير جعفر بن سليمان: ((بلغني أنَّك تتكلّم في الرب، وتصفه وتشبهه. قال: نعم، نظرنا فلم نر من خلق الله شيئاً أحسن من الإنسان، فأخذ يتكلّم في الصفة، والقامة، فقال له: رُويدك يا بنيّ حتى نتكلّم أول شيء في المخلوق، فإن عجزنا عنه فنحن عن الخالق أعجز، أخبرني عمّا حدّثني شعبة، عن الشيباني، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله: ? لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ? () قال: ((رأى جبريل له ستمائة جناح)) ()، فبقي الغلام ينظر، فقال: أنا أُهوِّن عليك صِفْ لي خلقاً له ثلاثة أجنحة، وركّب الجناح الثالث منه موضعاً حتى أعلم، قال: يا أبا سعيد عجزنا عن صفة المخلوق، فأُشهدك أني قد عجزتُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير