هو الخوف من الوقوع في بِدَعٍ يسوق إليها الجدالُ والكلام وهي غير متناهية ... كما روى الإمام اللالكائي، (ت: 418هـ) والإمام اسماعيل التيمي الأصبهاني (ت: 535) عن الخليل بن أحمد قال: (ما كان جدل قط إلا أتى بعده جدل
يبطله) اهـ () ولذا قال الإمام ابن خزيمة في مقدمة كتابه التوحيد:
(قد أتى علينا برهةٌ من الدهر وأنا كاره الاشتغال بتصنيف ما يشوبه شئ من جنس الكلام من الكتب، وكان أكثرُ شُغلنا بتصنيف كتب الفقه، التي هي خلو من الكلام في الأقدار الماضية، التي كفر بها كثير من منتحلي الإسلام، وفي صفات الله - عز وجل - التي نفاها ولم يؤمِن بها المعطِّلون) اهـ. () فتأمل عبارات هذا الإمام رحمه الله.
ثم ذكر أن الحامل له على ذلك، تخوفه من أن يميل بعض من كان يحضر مجلسه من طلاب العلم والحديث إلى قول المعطلة والقدرية المعتزلة ().
وروى الخلال رسالة للإمام أحمد فيها ... (أتاني كتابك تذكر فيه احتجاج من احتج من المرجئة، واعلم رحمك الله أن الخصومة في الدين ليست من طريق أهل
السنة ... ) اهـ. ()
وفي هذه الرسالة (فإمَّا من تأول القرآن على ظاهره بلا دلالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه فهذا تأويل أهل البدع …. الخ) اهـ. ()
وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد: (الكلام في صفات الباري كلام يستبشعه أهل السنة، وقد سكت عنه الأئمة فما أشكل علينا أمرَرْناه كما جاء وآمنا به، كما نصنع بمتشابه القرآن، ولم نناظر عليه، لأن المناظرة إنما تسوغ وتجوز فيما تحته عمل، ويصحبه قياس،والقياس غير جائز في صفات الباري تعالى لأنه ليس
كمثله شئ) اهـ. التمهيد 19/ 232
قال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي، (ت: 516هـ):
(اتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات، وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه) اهـ. شرح السنة 1/ 188
وقال الإمام الكبير شيخ الشافعي وأحمد وغيرهما، سفيان بن عيينة رحمه الله:
(كل ماوصف الله تعالى به نفسه في كتابه، فتفسيره قراءته، والسكوت عليه، ليس لأحد أن يفسره إلا الله عز وجل ورسله) اهـ. رواه الدارقطني في الصفات رقم 61 صـ 51 والبيهقي في الاعتقاد ()، وأبو اسماعيل الصابوني () وذكره البغوي محتجا به () وصححه الحافظ ابن حجر وعزاه للبيهقي () وذكره السفاريني قائلا: وقال سفيان بن عيينة ونا هيك به ().
وقال تلميذه الإمام الحميدي، (ت:219 هـ) نحو ذلك فإنه قال:
(لا يزيد فيه ولا يفسره يقف على ما وقف عليه القرآن والسنة) اهـ. ()
ولهذا لما سئل أبوزرعة عن تفسير قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} غضب وقال: تفسيره كما تقرأ هو على عرشه وعلمه في كل مكان) اهـ. () ولما سئل الإمام أحمد عن {السميع البصير} قال: (هكذا قال الله تعالى). () وذلك مع كون الإمام أحمد يثبت الصفات ويؤمن بكلام الله تعالى ولا يكيف ولا يعطل، لكن لما رأى الآية واضحة بلغة العرب المعروفة كره أن يقول من عنده، ومعنى السكوت ترك المخاصمة والمناظرة المذمومة في ذلك،ولا يقال إن ذلك معناه التعطيل للظواهر أو أن ذلك تفويض مذموم لأننا نؤمن بالصفات المقدسة، فلا نعطل، ولكننا نمر كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة أهل السنة و لا ندقق ولانتوهم و لا نمثل ولانشبه ولا نكيف صفات الذي خلق كل شئ أبدا كما لا نعطل، قال الإمام الذهبي: (والمراد بظاهرها، أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له، كما قال مالك وغيره: الاستواء معلوم، وكذلك القول في السمع والبصر والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك هذه الأشياء معلومة، فلا تحتاج إلى بيان وتفسير، ولكنَّ الكيف في جميعها مجهول عندنا) اهـ. العلو للعلي الغفار ص 186. وكلام الأئمة في الإمرار مع الإقرار مشهور ثابت لا أطيل بذكره ولم أقصد إليه هنا.
¥