تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول ماتا على الإسلام، وأخرى يقول أحيا الله أبويه فآمنا عليهما السَّلام، وأنشد أبياتا:

فأحيا أمَّهُ، وكذا أباه ............. لإيمانٍ به فضْلاً لطيفا

فصدِّق، فالإله بذا قدير ... وإنْ كان الحديث به ضعيفا

قلت: هذا العجب، الأمر بالتَّصديق مع الإقرار بضعف الحديث

قال الحافظ ابن دحية: إنَّه حديث موضوع، يرُدُّه القرآن العظيم والإجماع، قال الله تعالى {و (2) الذين يموتون وهم كفَّار}، وقال {فيمت وهو كافر} ومن مات كافرا لا ينفعه الإيمان بعد الرَّجعة، بل من آمن عند المعاينة لم ينفع، فكيف بعد الإعادة. انتهى

قلت: أخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبدالرَّزَّاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ((ليت شعري ما فعل أبواي)) فأنزل الله تعالى {إنَّا أرسلناك بالحقِّ بشيرا ونذيرا ولا تَسْألُ عن أصحاب الجحيم} فما ذكرهما حتى توفاه الله، قال السيوطي: هذا مرسل ضعيف الإسناد انتهى.

قلت: جوابه أنه ليس بأضعف من إسناد " أنهما أحييا له صلى الله عليه وسلَّم " فإنه وصفه الحفَّاظ بالوضع، وهذا بالضَّعف، ولا يخفى أنَّ الضَّعيف خير من الموضوع.

قلت: وأمَّا كونه مرسلا، فله حكم الرَّفع إذ لا يقال من قبل الرأي اتفاقا، فلا مسرح فيه للاجتهاد.

ولو أن المؤمن لقي الله تعالى ولا يعرف هذه المسألة الباردة، ما قيل له لم لم تعرفها.

وأيُّ نقص يلحق سيِّد الخلايق صلى الله عليه وسلَّم بكفر أبويه؟!، وهذا خليل الله إبراهيم عليه السَّلام يقص الله علينا خطابه لأبيه في مواضع {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} ويتبرأ منه ومن قومه {لإنني برآء مما تعبدون لإلاَّ الذي فطرني}، ويقول: {اغفر لأبي إنَّه كان من الضآلين}، وأبو إبراهيم عليه السَّلام هو أبو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، بل أبو الأنبياء عليهم السَّلام أجمعين من بعد إبراهيم عليه السَّلام، كما قال تعالى {وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب}، أَوَعَلَى رُسَلِ اللهِ نقص في كون آبائهم كفارا، هذا لا يقوله ذو فطنة، ولا غيرة.

إنَّما العجب كلُّه في القول بتكفير من قال " إنَّهما ماتا على دين الجاهليَّة " فإنَّ هذا التَّكفير بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، فإنَّ تكفير المؤمن لا يكون إلاَّ بدليل قطعيٍّ، كما صرَّح بذلك الأئمة، لأن حقيقة الكفر هو التكذيب عمدا بشيء من كتب الله المعلومة، أو بأحد من رسله صلى الله عليهم، أو بشيء مما جاؤا به، إذا كان ذلك الأمر المكَذَّبُ معلوما بلبضَّرورة للجميع، كما في " إيثار الحق على الخلق ".

وأمَّا هذا التكفير لمن قال " إنَّ أبوي الرسول صلى الله عليه وسلَّم ماتا على دين الجاهليَّة " فلا أدري أيُّ أنجاء الكفر هو!

فإنه فسَّر ابن الأثير الكفر في " النِّهاية " بأنَّه أربعة أنحاء:

1 - كفر إنكار: بأن لا يعرف الله أصلا، ويعترف به.

2 - وكفر جحود: ككفر إبليس، يعرف الله بقلبه ولا يقرُّ بلسانه

قلت: كأتَّه يريد لا يمتثل أمره.

3 - وكفر عناد: وهو أن يعترف بقلبه، ويقرَّ بلسانه، ولا يدين؛ حجدا؛ وبغيا، ككفر أبي جهل وأضرابه.

قلت: يريد يريد أنَّه عرف النبوة بقلبه، لقوله تعالى {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} الآية، والإقرار بلسانه أنَّه قال أبو جهل " لا نكذِّبك يا محمَّد، ولكن نكذِّب ما جئت به "، فأنزل الله {فإنَّهم لا يكذِّبونك، ولكنَّ الظالمين بآيات الله يجحدون}، وهو قول أبي طالب:

لقد علموا أن ابننا لا مُكذَّب ** لدنيا، ولا يعنى بقول الأباطل

4 - قال وكفر نفاق: وهو أن يقرَّ بلسانه، ولا يعتقد بقلبه. انتهى

فقل لي أيها المكفِّر المجتري على هذه العظيمة، في أي أنواع الكفر الذي كفَّرت به.

فليتق الله، وليتب عمَّا فاه به، ففي الحديث ((من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)) ونحوه من أحاديث الباب.

وإن أراد كفر التأويل، فهو تكفير باطل ليس عليه دليل، وقد أوضحنا بطلانه في رسالة مستقِّلَّة (3).

واعلم أن تعظيم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلَّم هو متابعته في طريقته، والاهتداء بهديه، وتجنُّبِ ما نهى عنه، والعمل بأقواله، وأفعاله، وإيثارها على كلِّ كلام، ومحبَّته، فإنَّه لا يتم الإيمان إلاَّ بهذين، كما قال في الأول ((والذي نفسي بيده لا يتم إيمان أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)) وفي الثَّاني ((والذي نفسي بيده لا يؤمن احدكم حتى أكون أحبَّ إليه من أهله وولده و من النَّاس أجمعين)) وفي لفظ ((من نفسه وأهله ... الخ)).

وأمَّا الخوض في إسلام ابويه فخوض باطل، خارج عن الدلائل، لا يشتغل به عاقل، فضلا عن فاضل. وقد طال بي المقال والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

كتبه

محمد بن إسماعيل الأمير، عمر الله قلبه بتقواه، وتلافاه بمغفرته قبل أن يتوفَّاه

يوم السبت لعلَّه

13 ذي القعدة الحرام 1180

انتهى.

____

(1) كذا قرأتها

(2) سقط هنا (لا) وهي كذا {ولا الذين يموتون وهم كفَّار}

(3) وهذه الرسالة ضمن هذا المجموع (ق / 215 _ 243)

والسؤال والجواب في الملف المرفق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير