وأزيد هنا أن الحق لم يزل متميزا بين أهل السنة والبدعة حتى جاء عبد الله بن سعيد بن كلاب ومن بعده الأشعري فراموا نصرة أهل السنة على المعتزلة ولم يتقنوا مذهب السلف مع ما ما استقر عندهم من ترسبات علم الكلام فحصل الخلط من ذلك الحين في تقرير مذهب اسلف
ولذا تجد أنه وقع لبعض أهل الحديث أغاليط من ذلك الزمن والله المستعان
الوجه الثاني:
قال أبو حاتم بن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه في باب ما جاء في الصفات برقم 265 أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا محمد بن يحيى الذهلي حدثنا المقرىء حدثنا حرملة بن عمران التجيبي عن أبي يونس مولى أبي هريرة واسمه سليم بن جبير عن أبي هريرة أنه قال في هذه الآية (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) إلى قوله (إن الله كان سميعا بصيرا) رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه وأصبعه الدعاء على عينه.
قال أبو حاتم أراد صلى الله عليه وسلم بوضعه أصبعه على أذنه وعينه تعريف الناس أن الله جل وعلا لا يسمع بالأذن التي لها سماخ والتواء ولا يبصر بالعين التي لها أشفار وحدق وبياض جل ربنا وتعالى عن أن يشبه بخلقه في شيء من الأشياء بل يسمع ويبصر بلا آلة كيف يشاء
قلت: وهذا عجيب من ابن حبان فالحيث إنما فيه إثبات صفة السمع والبصر , ووضع النبي صلى الله عليه وسلم إبهامه على أذنه واصبعه الدعاء على عينه إشارة إلى تحقيق أصل صفة السمع والبصر وان المراد منها هو المفهوم من لسان العرب
وأما أن يدل الحيث على انتفاء ما ذكره ابن حبان فهذا ليس في الحديث (وان كنا نحن كذلك لانقول بموجبها) ومما يدل على ما قلت أن أباداود السجستاني إنما أورد هذا الحديث في باب الرد على الجهمية لما فيها من إثبات صفة السمع والبصر ولو فهم أبو داود من الحديث ما فهمه ابن حبان لما أورده في هذا الباب و إنما يورده في باب يناسبه كأن يقول: باب الرد على من أثبت لله ما لايليق
وبمثل تعقيبي على ابن حبان عقب من سماه العظيم آبادي (من أهل التحقيق) على الخطابي لما قال في الحديث نحوا مما قاله ابن حبان.
قال العظيم آبادي:
ورد عليه بعض العلماء فقال: قوله (لا إثبات العين و الأذن .... الخ) ليس من كلام أهل التحقيق , وأهل التحقيق يصفون الله سبحانه و تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله ولا يبتدعون لله وصفا لم يرد به كتاب و لا سنة وقد قال تعالى: (ولصنع على عيني) وقال: (تجري بأعيننا)
وقوله: ليس بذي جوارح ولابذي أجزاء وأبعاض كلام مبتدع مخترع لم يقله أحد من السلف لا نفيا ولا إثباتا بل يصفون الله بما وصف به نفسه ويسكتون عما سكت عنه ولا يكيفون ول يمثلون ولا يشبهون الله بخلقه فمن شبه الله بخلقه فقد كفر وليس ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله تشبيها وإثبات صفة السمع والبصر حق كما قرره الشيخ انتهى كلامه.
قلت (أي العظيم آبادي): ما قاله هو الحق وما قاله الخطابي فهو ليس من كلام أهل التحقيق)
الوجه الثالث:
أما قول ابن حبان: (بل يسمع ويبصر بلا آلة كيف يشاء) ففيه تأمل
أما السمع فلم يرد فيه نص أنه يسمع بآلة أو بلا آلة (وإن كان التعبير بلفظ الآلة فيه مافيه وغالبا ما يستعمل في نفي الصفات الذاتية كالعينين واليدين) فنتوقف ولا نتكلف.
وأما البصر فجاءت النصوص متواترة قطعية بأن الله بصير وأنه يرى وكذلك جاءت بإثبات العينين لله سبحانه وتعالى ولكن هل نقول يبصر بعينيه
هذا سؤال أذكر أن شيخنا ابن عثيمين رحمه الله ذكره مرة ولا أذكر من الجواب إلا أنه قال: جزم بذلك بعضهم
وأرجو من الإخوة أن يفيدونا في هذه المسالة
في الحديث دليل على أن نصوص الصفات من المحكم وأن معناها هو المتبادر إلى الذهن من المعاني وهو المفهوم من كلام العرب وفي هذا رد على ابن حبان من قوله: أ هذه الأخبار أطلقت بألفاظ التمثيل والتشبيه على حسب ما يتعارفه الناس بينهم دون كيفيتها أو وجود حقائقها وما استدل به لا يسعفه على مدلوله.
الوجه الرابع:
قال ابن حبان رحمه الله:
ذكر الخبر الدال على أن كل صفة إذا وجدت في المخلوقين كان لهم بها النقص غير جائز إضافة مثلها إلى الباري جل وعلا
قلت:
أولا: الإستدلال بهذا الخبر غير متأتي لابن حبان من جهة المتن لما سنبين من غلط فيه.
ثانيا: تحليل عبارة ابن حبان:
¥