تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم أنهم لم يخلصوا مما فروا منه بل يلزمهم على قياس قولهم أن يكونوا قد شبهوه بالممتنع الذى هو أخس من الموجود والمعدوم الممكن ففروا فى زعمهم من تشبيهه بالموجودات والمعدومات ووصفوه بصفات الممتنعات التى لا تقبل الوجود بخلاف المعدومات الممكنات وتشبيهه بالممتنعات شر من تشبيهه بالموجودات والمعدومات الممكنات

وما فر منه هؤلاء الملاحدة ليس بمحذور فانه اذا سمى حقا موجودا قائما بنفسه حيا عليما رؤوفا رحيما وسمى المخلوق بذلك لم يلزم من ذلك أن يكون مماثلا للمخلوق اصلا ولو كان هذا حقا لكان كل موجود مماثلا لكل موجود ولكان كل معدوم مماثلا لكل معدوم ولكان كل ما ينفى عنه شىء من الصفات مماثلا لكل ما ينفى عنه ذلك الوصف

فاذا قيل السواد موجود كان على قول هؤلاء قد جعلنا كل موجود مماثلا للسواد واذا قلنا البياض معدوم كنا قد جعلنا كل معدوم مماثلا للبياض ومعلوم أن هذا فى غاية الفساد ويكفى هذا خزيا لحزب الالحاد

واذا لم يلزم مثل ذلك فى السواد الذى له أمثال بلا ريب فاذا قيل فى خالق العالم أنه موجود لا معدوم حى لا يموت قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم فمن أين يلزم أن يكون مماثلا لكل موجود ومعدوم وحى وقائم ولكل ما ينفى عنه العدم وما ينفى عنه صفة العدم وما ينفى عنه الموت والنوم كأهل الجنة الذين لا ينامون ولا يموتون

وذلك أن هذه الاسماء العامة المتواطئة الى تسميها النحاة اسماء الاجناس سواء اتفقت معانيها فى محالها أو تفاضلت كالسواد ونحوه وسواء سميت مشككة وقيل أن المشككة نوع من المتواطئة اما أن تستعمل مطلقة وعامة كما اذا قيل الموجود ينقسم الى واجب وممكن وقديم ومحدث وخالق ومخلوق والعلم ينقسم الى قديم ومحدث واما أن تستعمل خاصة معينة كما اذا قيل وجود زيد وعمرو وعلم زيد وعمرو وذات زيد وعمرو فاذا استعملت خاصة معينة دلت على ما يختص به المسمى لم تدل على ما يشركه فيه غيره فى الخارج فان ما يختص به المسمى لا شركة فيه بينه وبين غيره

فاذا قيل علم زيد ونزول زيد واستواء زيد ونحو ذلك لم يدل هذا الا على ما يختص به زيد من علم ونزول واستواء ونحو ذلك لم يدل على ما يشركه فيه غيره لكن لما علمنا أن زيدا نظير عمرو وعلمنا أن علمه نظير علمه ونزوله نظير نزوله واستواءه نظير استوائه فهذا علمناه من جهة القياس والمعقول والاعتبار لا من جهة دلالة اللفظ فاذا كان هذا فى صفات المخلوق فذلك فى الخالق أولى

فاذا قيل علم الله وكلام الله ونزوله واستواؤه ووجوده وحياته ونحو ذلك لم يدل ذلك على ما يشركه فيه أحد من المخلوقين بطريق الاولى ولم يدل ذلك على مماثلة الغير له فى ذلك كما دل فى زيد وعمرو لأنا هناك علمنا التماثل من جهة الاعتبار والقياس لكون زيد مثل عمرو وهنا نعلم أن الله لا مثل له ولا كفو ولا ند فلا يجوز أن نفهم من ذلك أن علمه مثل علم غيره ولا كلامه مثل كلام غيره ولا استواءه مثل استواء غيره ولا نزوله مثل نزول غيره ولا حياته مثل حياة غيره

ولهذا كان مذهب السلف والأئمة اثبات الصفات ونفى مماثلتها لصفات المخلوقات فالله تعالى موصوف بصفات الكمال الذى لا نقص فيه منزه عن صفات النقص مطلقا ومنزه عن أن يماثله غيره فى صفات كماله فهذان المعنيان جمعا التنزيه وقد دل عليهما قوله تعالى قل هو الله أحد الله الصمد فالاسم الصمد يتضمن صفات الكمال والاسم الأحد يتضمن نفى المثل كما قد بسط الكلام على ذلك فى تفسير هذه السورة

فالقول فى صفاته كالقول فى ذاته والله تعالى ليس كمثله شىء لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله لكن يفهم من ذلك أن نسبة هذه الصفة الى موصوفها كنسبة هذه الصفة الى موصوفها فعلم الله وكلامه ونزوله واستواؤه هو كما يناسب ذاته ويليق بها كما أن صفة العبد هى كما تناسب ذاته وتليق بها ونسبة صفاته الى ذاته كنسبة صفات العبد الى ذاته ولهذا قال بعضهم اذا قال لك السائل كيف ينزل أو كيف استوى أو كيف يعلم أو كيف يتكلم ويقدر ويخلق فقل له كيف هو فى نفسه فاذا قال أنا لا أعلم كيفية ذاته فقل له وأنا لا أعلم كيفية صفاته فان العلم بكيفية الصفة يتبع العلم بكيفية الموصوف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير