تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيقال أما المقدمة الأولى وهو أن أهل اللغة يسمون كل ما كان له مقدار بحيث يكون أكبر من غيره أو أصغر جسما فهذا لا يوجد فى لغة العرب البتة ولا يمكن أحد أن ينقل عنهم أنهم يسمون الهواء الذى بين السماء والارض جسما ولا يسمون روح الانسان جسما بل من المشهور أنهم يفرقون بين الجسم والروح ولهذا قال تعالى واذا رأيتهم تعجبك أجسامهم يعنى أبدانهم دون أرواحهم الباطنة

وقد ذكر نقلة اللغة أن الجسم عندهم هو الجسد ومن المعروف فى اللغة أن هذا اللفظ يتضمن الغلظ والكثافة فلا يسمون الاشياء القائمة بنفسها اذا كانت لطيفة كالهواء وروح الانسان وان كان لذلك مقدار يكون به بعضه أكبر من بعض لكن لا يسمى فى اللغة ذلك جسما ولا يقولون فى زيادة أحدهما على الآخر هذا أجسم من هذا ولا يقولون هذا المكان الواسع أجسم من هذا المكان الضيق وان كان أكبر منه وان كانت أجزاؤه زائدة على أجزائه عند من يقول بأنه مركب من الاجزاء

فليس كل ما هو مركب عندهم من الاجزاء يسمى جسما ولا يوجد فى الكلام قبض جسمه ولا صعد بجسمه الى السماء ولا أن الله يقبض

أجسامنا حيث يشاء ويردها حيث شاء انما يسمون ذلك روحا ويفرقون بين مسمى الروح ومسمى الجسم كما يفرقون بين البدن والروح وكما يفرقون بين الجسد والروح فلا يطلقون لفظ الجسم على الهواء فلفظ الجسم عندهم يشبه لفظ الجسد قال الجوهرى الجسد البدن تقول فيه تجسد كما تقول فى الجسم تجسم كما تقدم نقله عن أئمة اللغة أن الجسم هو الجسد

فعلم أن هذين اللفظين مترادفان أو قريب من الترادف ولهذا يقولون لهذا الثوب جسد كما يقولون له جسم اذا كان غليظا ثخينا صفيقا وتقول العلماء النجاسة قد تكون مستجسدة كالدم والميتة وقد لا تكون مستجسدة كالرطوبة ويسمون الدم جسدا كما قال النابغة

... فلا لعمر الذى قد زرته حججا ... وما أريق على الانصاب من جسد ...

كما يقولون له جسم فبطل ما ذكروه عن اللغة أن كل ما يتميز منه شىء عن شىء يسمونه جسما

المقدمة الثانية أنه لو سلم ذلك فقولهم أن هذا جسم يطلقونه عند تزايد الاجزاء هو مبنى على أن الاجسام مركبة من الجواهر المنفردة وهذا لو قدر أنه صحيح فأهل اللغة لم يعتبروه ولا قال أحد منهم ذلك فعلم أنهم انما لحظوا غلظه وكثافته واما كونهم اعتبروا كثرة الاجزاء وقلتها فهذا لا يتصوره

أكثر عقلاء بنى آدم فضلا عن أن ينقل عن أهل اللغة قاطبة أنهم ارادوا ذلك بقولهم جسيم وأجسم والمعنى المشهور فى اللغة لا يكون مسماه ما لا يفهمه الا بعض الناس واثبات الجواهر المنفردة أمر خص به بعض الناس فلا يكون مسمى الجسم فى اللغة ما لا يعرفه الا بعض الناس وهو المركب من ذلك

وأما الأصل الثانى العقلى فقولهم ان كل ما يشار اليه بأنه هنا أو هناك فانه مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة وهذا بحث عقلى واكثر عقلاء بنى آدم من أهل الكلام وغير اهل الكلام ينكرون أن يكون ذلك مركبا من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة وانكار ذلك قول ابن كلاب واتباعه من الكلابية وهو إمام الاشعرى فى مسائل الصفات وهو قول الهشامية والنجارية والضرارية وبعض الكرامية

وهؤلاء الذين اثبتوا الجوهر الفرد زعموا أنا لا نعلم لا بالحس ولا بالضرورة أن الله ابدع شيئا قائما بنفسه وان جميع ما نشهده مخلوق من السحاب والمطر والحيوان والنبات والمعدن وبنى آدم وغير بنى آدم فان ما فيه أنه أحدث أكوانا فى الجواهر المنفردة كالجمع والتفريق والحركة والسكون وانكر هؤلاء أن يكون الله لما خلقنا أحدث أبداننا قائمة بأنفسها أو شجرا وثمرا أو شيئا آخر قائما بنفسه وانما أحدث عندهم اعراضا وأما الجواهر المنفردة فلم تزل موجودة ثم من يقول أنها محدثة منهم من يقول أنهم علموا حدوثها بأنها لم تخل من الحوادث وما لم يخل من الحوادث فهو حادث

قالوا فبهذا الدليل العقلى وأمثاله علمنا أنه ما أبدع شيئا قائما بنفسه لأنا نشهده من حلول الحوادث المشهودة كالسحاب والمطر وهؤلاء فى معاد الأبدان يتكلمون فيه على هذا الأصل فمنهم من يقول يفرق الاجزاء ثم يجمعها ومنهم من يقول يعدمها ثم يعيدها واضطربوا ههنا فيما اذا أكل حيوان حيوانا فكيف يعاد وادعى بعضهم أن الله يعدم جميع اجزاء العالم ومنهم من يقول هذا ممكن لا نعلم ثبوته ولا انتفاءه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير