تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يدخل فى معانى القرب وليس فى الطوائف من ينكره قرب المعروف والمعبود الى قلوب العارفين العابدين فان كل من أحب شيئا فانه لابد ان يعرفه ويقرب من قلبه والذى يبغضه يبعد من قلبه لكن هذا ليس المراد به أن ذاته نفسها تحل فى قلوب العارفين العابدين وانما فى القلوب معرفته وعبادته ومحبته والايمان به ولكن العلم يطابق المعلوم

وهذا الايمان الذى فى القلوب هو المثل الأعلى الذى له فى السموات والأرض وهو معنى قوله تعالى وهو الذى فى السماء اله وفى الارض اله وقوله وهو الله فى السموات وفى الأرض

وقد غلط فى هذه الآية طائفة من الصوفية والفلاسفة وغيرهم فجعلوه حلول الذات وإتحادها بالعابد والعارف من جنس قول النصارى فى المسيح وهو قول باطل كما قد بسط فى موضعه

والذين يثبتون تقريبه العباد الى ذاته هو القول المعروف للسلف والأئمة وهو قول الأشعرى وغيره من الكلابية فانهم يثبتون قرب العباد الى ذاته وكذلك يثبتون إستواءه على العرش بذاته ونحو ذلك ويقولون الاستواء فعل فعله فى العرش فصار مستويا على العرش وهذا ايضا قول ابن عقيل وابن الزاغونى وطوائف من أصحاب أحمد وغيرهم

وأما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده فهذا يثبته من يثبت قيام الافعال الاختيارية بنفسه ومجيئه يوم القيامة ونزوله واستوائه على العرش وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الاسلام المشهورين وأهل الحديث والنقل عنهم بذلك متواتر

وأول من أنكر هذا فى الاسلام الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وكانوا ينكرون الصفات والعلو على العرش ثم جاء ابن كلاب فخالفهم فى ذلك واثبت الصفات والعلو على العرش لكن وافقهم على أنه لا تقوم به الامور الاختيارية ولهذا أحدث قوله فى القرآن أنه قديم لم يتكلم به بقدرته ولا يعرف هذا القول عن أحد من السلف بل المتواتر عنهم أن القرآن كلام الله غير

مخلوق وان الله يتكلم بمشيئته وقدرته كما ذكرت ألفاظهم فى كتب كثيرة فى مواضع غير هذا

فالذين يثبتون أنه كلم موسى بمشيئته وقدرته كلاما قائما به هم الذين يقولون أنه يدنو ويقرب من عباده بنفسه وأما من قال القرآن مخلوق أو قديم فأصل هؤلاء أنه لا يمكن أن يقرب من شىء ولا يدنو اليه فمن قال منهم بهذا مع هذا كان من تناقضه فانه لم يفهم أصل القائلين بأنه قديم

وأهل الكلام قد يعرفون من حقائق أصولهم ولوازمها ما لا يعرفه من وافقهم على أصل المقالة ولم يعرف حقيقتها ولوازمها فلذا يوجد كثير من الناس يتناقض كلامه فى هذا الباب فان نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف متظاهرة بالاثبات وليس على النفى دليل واحد لا من كتاب ولا من سنة ولا من أثر وانما أصله قول الجهمية فلما جاء إبن كلاب فرق ووافقه كثير من الناس على ذلك فصار كثير من الناس يقر بما جاء عن السلف وما دل عليه الكتاب والسنة وبما يقوله النفاة مما يناقض ذلك ولا يهتدى للتناقض والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم

وبهذا يحصل الجواب عما إحتج به من قال إن ثلث الليل يختلف بإختلاف البلاد وهذا قد احتج به طائفة وجعلوا هذا دليلا على ما يتأولون عليه حديث النزول وهذا الذى ذكروه انما يصح اذا جعل نزوله من جنس

نزول أجسام الناس من السطح الى الأرض وهو يشبه قول من قال يخلو العرش منه بحيث يصير بعض المخلوقات فوقه وبعضها تحته

فإذا قدر النزول هكذا كان ممتنعا لما ذكروه من أنه لا يزال تحت العرش فى غالب الاوقات أو جميعها فان بين طرفى العمارة نحو ليلة فانه يقال بين ابتداء العمارة من المشرق ومنتهاها من المغرب مقدار مائة وثمانين درجة فلكية وكل خمس عشرة فهى ساعة معتدلة والساعة المعتدلة هى ساعة من اثنتى عشرة ساعة بالليل أو النهار اذا كان الليل والنهار متساويين كما يستويان فى أول الربيع الذى تسميه العرب الصيف وأول الخريف الذى تسميه الربيع بخلاف ما اذا كان أحدهما أطول من الآخر وكل واحد اثنتا عشرة ساعة فهذه الساعات مختلفة فى الطول والقصر فتغرب الشمس عن أهل المشرق قبل غروبها عن أهل المغرب كما تطلع على هؤلاء قبل هؤلاء بنحو اثنتى عشرة ساعة أو أكثر

فان الشمس على أى موضع كانت مرتفعة من الأرض الارتفاع التام كما يكون عند نصف النهار فانها تضىء على ما أمامها وخلفها من المشرق والمغرب تسعين درجة شرقية وتسعين غربية والمجموع مقدار حركتها اثنتا عشرة ساعة ستة شرقية وستة غربية وهو النهار المعتدل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير