بعشرة ملايين دولار أمريكي لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر، يلحق به
معهد لتخريج المتخصصين في هذا الفن، واشترط لمنح هذه الهبة أن يوضع
المتحف والمعهد تحت إشراف لجنة مكونة من ثمانية أعضاء ليس فيها إلا عضوان
مصريان فقط، على أن تظل هذه اللجنة هي المسؤولة عن إدارة المتحف والمعهد
لمدة ثلاث وثلاثين سنة.
وقد استرد الثري الصهيوني الأمريكي هبته وقتذاك، بعد أن أرسل مندوباً
يمثله من علماء الآثار الأمريكيين المعروفين وهو الأستاذ بْرِسْتِدْ ومعه أحد محاميه،
وذلك لرفض الحكومة شرط إشراف الأجانب الفني على المعهد، وقد كان واضحاً
من تحديد صاحب الملايين مدة الإشراف بثلاث وثلاثين سنة أنه يهدف إلى خلق
جيل من المتعصبين للفرعونية ثقافياً وسياسياً، ومصلحة الصهيونية في ذلك ظاهرة؛
لأنها إذا نجحت في سلخ الدول العربية عن عروبتها فقد سلختها من إسلامها، وإذا
انسلخت هذه الدول من إسلامها ومن عروبتها أمن اليهود كل معارضة لاستقرارهم
في فلسطين، وعاشوا مع جيرانهم في هدوء يمكن لهم من الإعداد لوثبة جديدة
يأكلون فيها جيرانهم النائمين؛ لأن معارضة الدول العربية لمطامع اليهود في
فلسطين إنما تستند إلى الإسلام والعروبة، فإذا انسلخ المصريون مثلاً من الإسلام
والعروبة ولبسوا ثوب الفرعونية مات الحافز الذي يدفعهم إلى مجاهدة اليهود
ومعارضة دولتهم في فلسطين؛ إذ يصبح اليهود والعرب لديهم عند ذلك
سواء» [19].
وقد وضح الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - أن إحياء الآثار القديمة تعتبر
من دسائس الأعداء فقال: «ومن دسائس هذه المنظمات الكفرية دعوتها إلى إحياء
الآثار القديمة والفنون الشعبية المندثرة حتى يشغلوا المسلمين عن العمل المثمر
بإحياء الحضارات القديمة والعودة إلى الوراء وتجاهل حضارة الإسلام، وإلا فما
فائدة المسلمين من البحث عن أطلال الديار البائدة! والرسوم البالية الدارسة! وما
فائدة المسلمين من إحياء عادات وتقاليد أو ألعاب قد فنيت وبادت! في وقت هم في
أمسّ الحاجة إلى العمل الجاد المثمر، وقد أحاط بهم أعداؤهم من كل جانب واحتلوا
كثيراً من بلادهم وبعض مقدساتهم! إنهم في مثل هذه الظروف بحاجة إلى العودة
إلى دينهم وإحياء سنَّة نبيهم، والاقتداء بسلفهم الصالح حتى يعود لهم عزهم
وسلطانهم، وحتى يستطيعوا الوقوف على أقدامهم لرد أعدائهم، وأن يعتزوا
برصيدهم العلمي من الكتاب والسنة والفقه، ويستمدوا من ذلك خطة سيرهم في
الحياة، ويقرؤوا تاريخ أسلافهم لأخذ القدوة الصالحة من سيرهم، أما أن ينشغلوا
بالبحث عن آثار الديار، وإحياء الفنون الشعبية بالأغاني والأسمار، وإقامة مشاهد
تحاكي العادات القديمة؛ فكل ذلك مما لا جدوى فيه، وإنما هو استهلاك للوقت
والمال في غير طائل، بل ربما يعود بهم إلى الوثنية، والعوائد الجاهلية» [20].
أسباب الافتتان بالآثار:
إن الله - تعالى - أرسل الرسل، وأنزل الكتب تبياناً لأهم قضية خُلقت
الخلائق من أجلها ألا وهي قضية التوحيد والنهي عن الشرك، وقد ركز القرآن
والسنة في بيان هذه القضية ووضحها غاية الإيضاح، وبينها غاية البيان حتى غدت
من ضروريات هذا الدين التي لا يمكن جهلها، ولكن لما اشتدت غربة الإسلام
وتباعد عصر النبوة؛ انتشر الشرك في الأمة وعظم الخطب في آثار الأنبياء
والصالحين، وأصبحوا يعتقدون فيهم الاعتقادات الباطلة، والخرافات الساقطة،
فلما كان ذلك كذلك احتاج الأمر إلى دراسة الأسباب التي جعلت الكثير من أفراد
الأمة يفتنون في مثل هذه الآثار، حتى يتم علاجها وإيجاد الحلول المناسبة لهذه
القضية الجلل «لأن معرفة المرض وسببه يعين على مداواة أصحابها وإزالة
شبهاتهم» [21] وهذه الأسباب متفاوتة من جهة تأثيرها على الناس ومتعددة،
وسأذكر إن شاء الله - تعالى - بعض هذه الأسباب مقدماً الأهم فالأهم، فأقول وبالله
التوفيق:
السبب الأول: الجهل بحقيقة هذا الدين:
لقد كان الناس قبل البعثة في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، حتى جاءهم
بمن أخرجهم من ظلمات الجهل، إلى نور العلم، جاءهم خاتم الأنبياء محمد صلى
الله عليه وسلم جاءهم ليعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم:] لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى
¥