كفار، مقصودهم تبديل دين الإسلام، وكان في بني بويه من الموافقة لهم على
بعض ذلك [38]، وفي دولتهم أظهر المشهد المنسوب إلى علي - رضي الله عنه -
بناحية النجف [39].
السبب الرابع: الشبهات التي يتمسكون بها في تسويغ فعلهم:
ومن الأسباب التي أدت إلى الاهتمام بآثار الأنبياء والصالحين بعض الشبهات
التي يتشبث بها أصحاب الأهواء والشهوات، وهي شبه كبيت العنكبوت في
الضعف والوهن، وكما قيل:
حجج تهافت كالزجاج تخالها حقاً وكل كاسر مكسور [40]
فمن تلك الشبهة مثلاً قولهم: «إن من التماثيل ما يعد أصناماً وما لا يعد كذلك،
والأولى هي التي تعبد من دون الله ومن ثم فتحريمها مقطوع به على المسلمين،
أما التماثيل التي لا تعبد فوصفها بأنها أصنام فيه افتئات ينبغي أن يتنزه عنه العقل
الرشيد»، واستدل على هذا التفريق بقوله الله - تعالى -:] يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ
مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ [(سبأ: 13) فسليمان - عليه السلام - كانت تصنع له
التماثيل، وذكر أنها صور الأنبياء والعلماء [41].
والجواب على هذا:
أولاً: أن ما فُرِقَ به بين التمثال والصنم لا دليل عليه لعموم النصوص
الشرعية؛ فالحكم واحد؛ سواء جعل للعبادة أو لم يجعل لما رواه الترمذي
(2806) وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك
البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في باب البيت تمثال الرجال، وكان في البيت قرام
ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب؛ فمُرْ برأس التمثال الذي بالباب فليقطع
فليصيَّر كهيئة الشجرة، ومُرْ بالستر فليقطع ويجعل منه وسادتين منتبذتين يوطآن،
ومُرْ بالكلب فيخرج. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم». «ومن المعلوم
أن هذا التمثال الذي في بيت النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن متخذاً للعبادة، ولا
يشك في ذلك مسلم؛ ومع ذلك فقد أمره جبريل بإزالته. وروى مسلم من حديث أبي
هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا
تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير» [42].
أما استدلاله بالآية فقد وضح الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره وغيره
أن هذه الآية تدل على أن تصوير التماثيل كان مباحاً في ذلك الزمان، ونسخ بشرع
محمد صلى الله عليه وسلم [43]. والنصوص في تحريم صناعة التماثيل المجسمة
كثيرة جداً لا يتسع المقام لذكرها وهذا قول جماهير العلماء قاطبة، بل نقل كثير من
المالكية الإجماع على ذلك [44].
السبب الخامس: الغلو في التعظيم [45]:
من الأسباب التي أدت إلى انتشار الفتنة بآثار الأنبياء والصالحين هو الغلو في
التعظيم، وقد جاءت النصوص الكثيرة في التحذير من هذا الداء العضال على سبيل
العموم سواء كان ذلك في جانب العقيدة أو العبادة، يقول الله - تعالى -:] قُلْ يَا
أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ [(المائدة: 77)، وقوله سبحانه:] يَا
أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ [(النساء: 171)
فهاتان الآيتان وإن كان الخطاب موجه فيهما إلى أهل الكتاب فإن أمة محمد صلى
الله عليه وسلم تدخل فيهما تبعاً [46] لأنها قد نُهيت عن اتخاذ سبيلهم والسير على
منوالهم واتباع نهجهم، وهذا واضح غاية الوضوح لمن تتبع الأدلة واستقرأها [47].
وجاء في حديث الفضل بن العباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«ياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» [48]. قال شيخ
الإسلام رحمه الله: «وهذا عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال،
وسبب هذا اللفظ العام رمي الجمار وهو داخل فيه مثل الرمي بالحجارة بناءً على
أنها أبلغ من الصغار، ثم علله بما يقتضي مجانبة هديهم أي هدي من كان قبلنا
إبعاداً عن الوقوع فيما هلكوا به، وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه من
الهلاك» [49].
وقد بين شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - أن سبب شرك بني آدم هو الغلو
في تعظيم قبور الصالحين فقال: «والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين: أولها:
¥