(60) عن: الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ، ص 780.
(61) مجلة المنار ج 3، م33، ص 216 218، نقلاً من مجلة البيان عدد 131، ص 81.
ـ[المستفيد7]ــــــــ[23 - 06 - 04, 07:06 م]ـ
في الحلقة الأولى عرَّف الكاتب الآثار لغة واصطلاحاً، ثم تحدث عن منهج
الرسول صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعده وموقفهم من الاهتمام بالآثار، وبيَّن أن
الاهتمام بالآثار من عادة غير المسلمين، ثم عدَّد أسباب الافتتان بالآثار التي أدت
إلى انتشار الاهتمام بها في بلاد المسلمين، وفي هذه الحلقة يتابع الكاتب الجوانب
الأخرى من الرؤية الشرعية لتعظيم الآثار.
- البيان -
عواقب التعلق بالآثار:
كوننا مأمورين بالسير في الأرض، والنظر في خلق الله، والاعتبار بمصائر
الأمم السابقة، لا يعني تقديس آثار السابقين أو المحافظة عليها، ومما يوضح ذلك
أننا نُهينا عن البقاء بديار الأمم الغابرة التي هلكت، وأُمرنا إذا مررنا بآثارها أن
نكون مسرعين باكين؛ فكيف نعدها من التراث الثمين والأمجاد؟!
ولو كان للناس في تتبع هذه الآثار من مساكن ونحوها مصلحة دينية أو
معاشية لأرشدنا الله إليها، ولما خفيت على الخلق كثير من تلك الآثار والمساكن
والقبور.
وقد أنكر الله - تعالى - على قوم عاد إطالة البناء وجودته، فقال سبحانه:
] أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [
(الشعراء: 128 - 129)، قال ابن كثير - رحمه الله -:] أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ
آيَةً تَعْبَثُونَ [(الشعراء: 128) أي: مَعْلَماً بناء ًمشهوراً.] تَعْبَثُونَ [
(الشعراء: 128) أي: وإنما تفعلون ذلك عبثاً لا للاحتياج إليه؛ بل لمجرد
اللعب وإظهار القوة؛ ولهذا أنكر عليهم نبيهم - عليه السلام - ذلك؛ لأنه تضييع
للزمان؛ وإتعاب للأبدان في غير فائدة، واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في
الآخرة [1]. فإذا كان هذا يقال في بناء المساكن؛ فكيف يكون الحال إذن في
الاهتمام بأماكن الآثار وتحسينها؟! ألا إن الأمر أشد والخطب أعظم.
المبحث الأول: الشرك:
من مفاسد إحياء الآثار أنه يؤدي إلى الشرك الذي هو أعظم الذنوب عند الله -
تعالى - والذي قال الله فيه:] إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن
يَشَاءُ [(النساء: 116).
أما كيف يؤدي إلى الشرك؟
فإن ذلك يحصل - بإحدى حالتين:
الأولى: التمسح بها والصلاة عندها، وطلب كشف الكربة والشفاعة منها:
قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: «إن العناية بالآثار على
الوجه الذي ذُكِرَ [2] يؤدي إلى الشرك بالله - جل وعلا -؛ لأن النفوس ضعيفة
ومجبولة على التعلق بما تظن أنه يفيدها، والشرك بالله أنواعه كثيرة غالب الناس
لا يدركها، والذي يقف عند هذه الآثار سواء كانت حقيقة أو مزعومة بلا حجة
يتضح له كيف يتمسح الجهلة بترابها، وما فيها من أشجار أو أحجار، ويُصلُّون
عندها، ويدعون من نُسبت إليه ظناً منهم أن ذلك قربة إلى الله سبحانه ولحصول
الشفاعة، وكشف الكربة. ويعين على هذا كثرة دعاة الضلال الذين تربت الوثنية
في نفوسهم ممن يستغلون مثل هذه الآثار لتضليل الناس وتزيين زيارتها لهم حتى
يحصلوا بسبب ذلك على بعض الكسب المادي، وليس هناك غالباً من يخبر زوارها
بأن المقصود العبرة فقط بل الغالب العكس.
ويشاهد العاقل ذلك واضحاً في بعض البلاد التي بليت بالتعلق بالأضرحة
وأصبحوا يعبدونها من دون الله، ويطوفون بها كما يطاف بالكعبة باسم أن أهلها
أولياء؛ فكيف إذا قيل لهم إن هذه آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم!! كما أن
الشيطان لا يفتر في تحيُّن الأوقات المناسبة لإضلال الناس. قال الله - تعالى -
عن الشيطان إنه قال:] قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ
المُخْلَصِينَ [(ص: 82 - 83)، وقال أيضاً - سبحانه - عن عدو الله الشيطان:
] قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ [(الأعراف: 16)» [3].
الحالة الثانية: تقديس أمكنة الأنبياء والصالحين وآثارهم، وتعظيمها:
¥