ـ[أبو المسور المصري]ــــــــ[14 - 07 - 04, 03:25 ص]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أعتذر على تأخري في الرد على تعقيبك، لأني لم أفطن له إلا بالأمس فقط، فالله الحمد والمنة، وأما بخصوص ما استدركته علي، فإني أنقل إليك العبارة المتعلقة، بتعقيبك، كما قرأتها، من كتاب أصول الفرق الإسلامية، من تأليف الدكتور عمر بن عبد العزيز قريشي، حفظه الله، وهو من المحاضرين في قسم الأديان والمذاهب في كلية الدعوة الإسلامية، جامعة الأزهر، حيث يقول في معرض كلامه على الماتريدية:
لقد تأثر الماتريدي بمذهب المعتزلة فأعطى للعقل سلطانا على النص، وذهب إلى أن معرفة الله واجبة بالعقل، لكنه خالف المعتزلة بقوله: إن العقل لا يستقل بمعرفة الأحكام التكليفية. اهـ، فمفهوم الكلام أن المعتزلة يقولون بإستقلال العقل بمعرفة الأحكام التكليفية، وإلا لما كان لمخالفة الماتريدي لهم في هذه المسألة معنى، وقدذكرت، أخي الحبيب، في مداخلتي أن هذا يشبه إلى حد كبير قول البراهمة، وإن لم يقولوا به، فلازم كلامهم، يقتضي هذا، لأنه إن استقل العقل بإدراك الحسن والقبح (بمعناهما الشرعي الذي يترتب عليه الثواب والعقاب) وإدراك الأحكام التكليفية (مع ما فيها من تفصيل يستحيل على العقل البشري أن يحيط به دون وحي)، فأي شيء يبقى للرسل عليهم الصلاة والسلام؟
ولم أصف في مداخلتي، أخي الدرعمي، كل المعتزلة بأنهم يقولون بهذا القول، وإنما وصفت غلاتهم، ولا يخفى عليك، أنهم، بشكل عام، من الغلاة في إستخدام عقولهم، ومع ذلك، فقد زاد غلو بعضهم، حتى قالوا أقوالا، ما سبقهم إليها أحد، أو كان سلفهم، فيها من ضلال فلاسفة اليونان، ووصل غلو بعضهم، كأبي الهذيل العلاف، إلى أن كفره المعتزلة أنفسهم، بل وألف أبو علي الجبائي، والمردار، وهما من المعتزلة، في تكفيره، لأن أقواله تؤدي إلى القول بقدم العالم، ومن أبرز ما شذ به هذا الضال، وأنقل إليك من نفس الكتاب:
قوله: إن مقدورات الله تعالى تتناهى، بمعنى أن لها حد ونهاية، وأنه إذا وجد ذلك الحد، وتلك النهاية، لا يقدر الله على شيء بعد ذلك، تعالى الله عما يقول علوا كبيرا، وهذا قول، كما ترى، أخي الدرعمي، كفر بواح، بل ويقول: إذا دخل ذلك الوقت، فإن الباري عز وجل لا يقدر على أن يزيد في نعيم أهل الجنة ذرة، ولا أن يزيد في عذاب أهل النار ذرة، حتى إن العبد في الجنة لو مد يده إلى ثمرة من ثمارها ثم دخل ذلك الوقت لم يقدر أن يوصل يده إليها.
وممن غلا وشذ من ضلالهم، النظام، حيث قال بـ:
الجزء الذي لا يتجزأ، حيث قال: إن كل جزء يمكن انقسامه إلى أجزاء لا تتناهى، وأنه لا يزال من الممكن أن يفصل من الخردلة الواحدة شيء بعد شيء إلى ما لا يتناهى، وهذا الرأي يؤدي إلى القول بقدم العالم، وهذا في حد ذاته، مخالف لنصوص الشرع القطعية، ويلزم قائله أن يكذب بصريح القرآن.
وقال بالكمون، ومعناه أن الله خلق الكون دفعة واحدة، وأن ما يستجد من الحوادث هو: ظهور عن كمون، وأما العدم، فهو: كمون بعد ظهور، وقد أخذه عن أحد ضلال اليونان، ويدعى "أنكسا غوارامي"، وهذا يبرز، كما سبق، قي تعقيبي الأصول الغير إسلامية لهذه الفرقة.
بل وخالف حتى المعتزلة، أنفسهم، في مسألة قدرة الله عز وجل، فإنهم مع إنكارهم خلق الله عز وجل للشر، لم يقولوا بعجزه عن خلقه، وأما هو فقال بأن الله عز وجل لا يوصف بالقدرة على خلق الشر، وهذا نفي صريح لقدرة الله عز وجل، يلزم منه تكفير قائله.
وأما الجاحظ، وهو من أئمتهم، فقد وافق الفيلسوف اليوناني "ديمقريطس" في مسألة قدم المادة، (أو الجوهر)، وأن المادة التي خلقت منها الكائنات، قديمة لا تفنى، وإنما الحادث (هو العوارض) التي تحدث في هذه المادة القديمة، وهذا مخالف لنصوص القرآن القطعية، كقوله تعالى: (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا)، فإعجاز الخالق عز وجل، هو في خلق الشيء بعد عدمه، وليس في تحويل أعراض مادة قديمة، غير حادثة، كما قال ذلك الضال.
وهذه الأمثلة، كما ترى أخي الحبيب، فيها من الغلو ما فيها، فلا يستبعد ممن قال بهذه الأقوال، أن يقول بأن عقله قادر على معرفة الأحكام التكليفية، دون وحي، وأهل السنة والجماعة، وإن لم يكفروا المعتزلة، إجمالا "في أصولهم الخمسة"، إلا أنهم قالوا بأن أقوالهم كفرية، فما بالك، بما نقلته لك من أقوال شذ بها بعضهم، من لازمها الكفر البواح؟.
وأنقل إليك، أخي الدرعمي، تعليق عمرو بن عبيد (وهو أحد أئمة المعتزلة)، على حديث ابن مسعود رضي الله عنه، في خلق الإنسان 40 يوما نطفة … الخ، وقد ذكره الشيخ عبد الله السعد، حفظه الله في شرح الموقظة، حيث قال (أي عمرو بن عبيد): لو سمعت الأعمش يحدث به لرددته عليه، و لو سمعت زيد بن وهب يحدث به لرددته عليه، و لو سمعت ابن مسعود يحدث به لرددته عليه، ولو سمعته من رسول الله لقلت له: ما هكذا أخبرتنا، فأي قبح بعد هذا؟.
وأخيرا أنقل إليك، أخي الحبيب، قولا قرأته، قد يبدو للوهلة الأولى أنه غير وثيق الصلة بموضوعنا، ولكنه قد يفيد في هذا الموضع إن شاء الله، وهو: أن العقل آلة لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبية، وما وقع، ويقع فيه، كل من أعمل عقله في معارض النصوص، إنما هو بسبب غفلته عن هذه القاعدة النفيسة.
أرجو أن تكون وجهة نظري، قد اتضحت لك، وفي إنتظار ردك، وجزاك الله عني خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
¥