تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مسألة الحد، وهي أهم مسألة، فإن أراد القائل، أنه سبحانه وتعالى بائن عن خلقه بحد فاصل، كما قرر ذلك ابن المبارك رحمه الله، فهو معنى صحيح في الإثبات، وإن أراد أن الله عز وجل، تعالى أن يحيط بحده أحد، فهذا معنى صحيح في النفي، وأما إن أراد بنفي الحد، حلول الخالق عز وجل في مخلوقاته، وإمتزاجه بهم، فهو معنى باطل في النفي، وسبب وصفي لهذه المسألة، بأنها أهم مسألة، أن الشيخ سعد الحميد، حفظه الله، ذكر في محاضرته عن ابن حبان رحمه الله، من سلسلته "مناهج المحدثين"، أن ابن حبان رحمه الله، قال بنفي الحد، وذكر أن هذا مما أنكر عليه، فهل من الممكن أن نعتذر بأن ابن حبان رحمه الله، أراد نفي الحد بمعنى أن الله عز وجل، تعالى أن يحيط بحده أحد، كما سبق، ولم يرد المعنى الباطل، الذي يوهم الحلول؟ علما بأن الشيخ الحميد حفظه الله، ذكر أن ابن حبان رحمه الله تأثر في بعض المسائل بالأشاعرة، وكأني به يقرر تأثره بالأشاعرة في هذه المسألة، وقد وجدت في كلام الزركشي رحمه الله، في البرهان، ما فهمت منه أن ابن حبان رحمه الله، تأثر بمذهب ابن كلاب رحمه الله، ومن تابعه من الأشاعرة، في مسألة أنه لا فضل لبعض القرآن على بعض، لأن الكل كلام الله، حيث قال في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه: (ما أنزل الله في التوارة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن، إن الله لا يعطي لقاريء التوارة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقاريء أم القرآن إذ الله بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه)، قال: وقوله: أعظم سورة، أراد به في الأجر، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض. أرجو منك زيادة توضيح مسألة تأثر ابن حبان رحمه الله بالأشاعرة، مع التعليق على ما نقلته لك في مسألة الألفاظ المحتملة.

وبالمناسبة فقد نقل الزركشي رحمه الله، قول مالك رحمه الله، في هذه المسألة، حيث قال: وروي معناه (أي عدم تفضيل بعض القرآن على بعض) عن مالك، قال يحيى بن يحيى: تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ، وكذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها، وهذا ما أنقله، والعهدة على راويه (وهو الزركشي رحمه الله، في البرهان (1/ 438) طبعة مكتبة دار التراث)، ولا أدري هل هذا يعني أن مالك رحمه الله، قد خالف أهل السنة في هذه المسألة، أم أنه يمكن تخريج كلامه على أصول أهل السنة؟ أرجو أن أجد التوضيح عندك؟ خاصة أنني لا أعرف بالتحديد هل تأثر الزركشي رحمه الله، ببعض آراء الأشاعرة في "البرهان" أم أن هذا وهم مني، وأنقل لك رأيه في مبحث المحكم والمتشابه، في "البرهان"، وما فهمته منه، معتذرا عن إطالتي، وراجيا منك تصويبي إن أخطأت، فقد قال رحمه الله:

اختلف الناس في الوارد منها في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق:

أحدها: أنه لا مدخل للتأويل فيها، بل تجرى على ظاهرها، ولا تؤول شيئا منها، وهم المشبهة.

والثاني: أن لها تأويلا، ولكنا نمسك عنه، مع تنزيه إعتقادنا عن الشبه والتعطيل، ونقول: لا يعلمه إلا الله، وهو قول السلف.

الثالث: أنها مؤولة، وأولوها على ما يليق به.

ثم قال رحمه الله: والأول باطل، والأخيران منقولان عن الصحابة، وما فهمته كالتالي:

إذا أخذنا في الإعتبار، تعريف التأويل، وأنه قد يعنى به التفسير اللفظي، (كما يعبر بذلك الطبري رحمه الله)، وقد يعنى به، ما يؤول إليه الشيء، وهو حقيقة الشيء، وهو حقيقة الشيء، وعليه يمكن تفسير الآراء الثلاثة، كالتالي:

بالنسبة للرأي الأول: ربما عنى به الزركشي رحمه الله، من قالوا بأن صفات الله عز وجل، تجرى على ظاهرها، ولو كان غير لائق بالله عز وجل، مثل أن يراد بكون "الله قبل وجه المصلي"، أنه مستقر في الحائط المقابل، وهذا معنى باطل، كما قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، في "الحموية"، وعليه فلا إشكال في هذا الرأي.

وبالنسبة للرأي الثاني: فقوله: لا يعلمه إلا الله، يخرج على أنه يقصد بالتأويل، حقيقة الشيء، فحقيقة صفات الله عز وجل، لا يعرفها إلا الله، وأما التأويل بمعنى التفسير، فأهل السنة، كما هو معلوم، يثبتون المعاني، مع نفي علم الكيفية، وعليه فلا إشكال في هذا المعنى.

وبالنسبة للرأي الثالث: فقوله بأن البعض أولها على ما يليق، ونسبته ذلك للصحابة، فهو ما أشكل علي، فهل عنى رحمه الله: أن التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره، كصرف لفظ الغضب، على سبيل المثال إلى إرادة الإنتقام، وهو مذهب الأشاعرة منقول عن الصحابة، وهذا مما قد يدل على تأثره بمذهب الأشاعرة؟، أم أنه أراد رأيا آخر لم أفهمه، وأخيرا أعتذر لك أخي الحبيب عن إطالتي، وأرجو منك التدقيق في كلامي، وعدم التعجل في الرد، وما زال لدي أسئلة أخرى، أسأل الله أن ييسر لي بعثها إليك على فترات، بحيث لا أثقل بها عليك، وقد كشفت لنا عن تخصصك في هذه المسائل، فأسلت لعابنا، طمعا فيما عندك من علم، وجزاك الله خيرا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير