أرى أن الأمر قد اتضح الآن.
أليس كذلك؟
ـ[حارث همام]ــــــــ[15 - 08 - 04, 11:23 ص]ـ
أخي الفاضل أبوعبدالرحمن بن أحمد بعض أهل البدع من أرباب الفرقة الواحدة تنقسم بدعته إلى مكفرة وغير مكفرة فالقدرية فيهم من نفى المراتب الأبعة وهذا كافر وفيهم من نفى ثنتين وهذا اختلفوا فيه.
أما من قال ببدعة مكفرة وظهر أمره فقد كفروه بل وقتل كثير منهم ردة في عهود خلافة أهل السنة كمعبد الجهني الذي صلب في أيام عبدالملك بن مروان.
وغيلان الدمشقي الذي استتابه عمر بن عبدالعزيز فتاب ثم رجع بعدها فقتله هشام بن عبدالملك بعد أن قطع يديه ورجليه وصلبه.
وكذلك الجعد بن درهم المقتول أيام هشام وفي خبر قتله القصة المشهورة -وفيها مقالا- مع خالد القسري.
ومثله عبدالكريم بن أبي العوجاء المعروف خبره عندما أخذ لتضرب عنقه.
ونحوه صالح بن عبدالقدوس وقد قتله المهدي زندقة.
ومثله النظام فقد كفره جماعة
وغير هؤلاء أثر عن أهل العلم تكفيرهم وإن كانت ظروف الخلافة أو الدولة لم تساعد على إقامة حد الله فيهم، فالدولة العباسية وخاصة في عهد المأمون والمعتصم والواثق دعمت المعتزلة، ومن هؤلاء بشر المريسي فقد نقل عن غير واحد تكفيره.
أما المثلان الذان ضربتهما:
فالأول أحمد بن فرج المشهور بابن أبي دؤاد، صاحب القول بخلق القرآن؛ ممتحن الناس فيه، قال الإمام أحمد (انظر بحر الدم 1/ 45) والمنتظم لابن الجوزي في ترجمته: هو كافر بالله العظيم.
وهذا مصداق قول هارون الفروي كما روى الآجري في الشريعة: لم أسمع أحداً من أهل العلم بالمدينة، وأهل السنن، إلا وهم ينكرون على من قال: القرآن مخلوق، ويكفرونه.
بل لعلك تعلم أن بعض من أكره فاتقى في القول بخلق القرآن لم يسلم بل كفر رغم جلالة قدره ومن هؤلاء ابن علية وقد نقلو ذلك عن أبي بكر بن عياش. وما ثبت من تكفير بعض تجلة أهل العلم للعلم الإمام أبي حنيفة النعمان أشهر من أن يذكر [يراجع في ذلك تاريخ الخطيب وتأنيب الكوثري وتنكيل المعلمي].
قال الآجري: وحدثني عمر بن أيوب قال: حدثنا الحسن بن الصباح قال: حدثنا إبراهيم بن زياد، قال: سألت عبد الرحمن بن مهدي فقلت: ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: لو أني على سلطان لقمت على الجسر، فكان لا يمر بي رجل إلا سألته، فإذا قال: القرآن مخلوق، ضربت عنقه، وألقيته في الماء.
أما أبو الهذيل العلاف فلم أجد في ما بين يدي من مصادر ترجمة شافية له غير أنه من المستبعد أن تجد من أهل العلم رجلاً يرى أن ما قاله كفر، ويتحول عن تكفيره إلى تفسيقه لمانع قام به.
ثم إن الوصف بالبدعة أو الفسق قد يكون وصفاً بكفر وقد يكون دونه، فالأول إذا كانت البدعة أو الفسوق مكفراً، والثاني إذا كان دونه.
والوصف بهما قد يتوجه إلى ذات المعين وقد يتوجه إلى فعله، فإذا قلت فلان مبتدع [بدعة مكفرة] فقد يكون مرادك وصف فعله؛ مبتدع: أتى بدعة مكفرة [بغض النظر عن وصف حاله: ينزل عليه الحكم أو لاينزل] وقد يكون المراد بيان حكمه في نفسه ووصف حاله وهذا لاتنافي بينها وبين كونه كافر، ومثل ذلك يقول في التفسيق.
والله أعلم.
ـ[حارث همام]ــــــــ[15 - 08 - 04, 11:40 ص]ـ
ولا يفهم مما سبق عدم التفريق بين الحكم على المعين بكفر أو بدعة أو فسق فالتكفير أشد والتحري فيه ينبغي أن يكون أعظم مع عدم التساهل والمجازفة في الوصف بفسق أو معصية أو بدعة.
أما النقل الذي وعدت الأخ صاحب المقال بنقله فقد ذكره شيخ الإسلام في مفيد المستفيد فقال: "قال رحمه الله تعالى: أنا من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير أو تبديع أو تفسيق أو معصية إلا أذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى انتهى كلامه". ثم عقب: "وهذا صفة كلامه في المسألة في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة وإذا بلغته حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو معصية وصرح رضي الله عنه أيضاً أن كلامه أيضاً في غير المسائل الظاهرة فقال في الرد على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيراً قال: وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة".
ويتضح مما سبق أن الوصف بكفر أو بدعة أو فسق تلزم فيه إقامة الحجة على صاحب الفعل ثم يحكم عليه بمقتضى ذلك إن فسقاً ففاسق أو بدعة فمبتدع أو كفراً فكافر.
وإن لم تقم عليه الحجة فمخطئ أو ضال ونحوهما من الألفاظ التي تصف الحال.
ولايؤال مطلقاً لقيام مانع من الوصف بالكفر إلى الوصف بالفسق بغير مقتض مفسق وبغير حجة قائمة، وكذلك البدعة إلاّ أن يراد وصف الفعل لا ذات الفاعل، أو يراد البدعة والفسق المكفر بعد قيام الحجة لادونهما والله أعلم.
¥