تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم قال: «ولاح أنهم في هذه المسألة لا النص من القرآن والسنة اتبعوا , ... وصحَّ أن قول الله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط , وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين».

وله في (ص / 198 – 201) مسألة مفردة فيمن صار مختارا إلى أرض الحرب , مشاقا للمسلمين , أمرتد هو بذلك أم لا؟ ومن اعتضد بأهل الحرب على أهل الإسلام وإن لم يفارق أرض الإسلام أمرتد هو بذلك أم لا؟.

ولا بد من قراءة المسألتين بتمامهما ليتبين مراد ابن حزم.

وكما هوظاهر جدًّا من كلام ابن حزم الذي فيه حكاية عدم الاختلاف بين المسلمين على كفر المتولي = أنه إنما بنى حكمه هذالأنه هو ظاهر الآية.

فلننظر إذن من هو المتولي عنده , وكيف فَهِمَ التولي الوارد في الآية.

ثم ننظر هل قال أحد من أهل العلم بالتفسير بخلاف ما فهمه في تفسير التولي.

ثم نعطف على ابن حزم مرة أخرى لنبين موضع حكايته لعدم اختلاف المسلمين في الحكم بكفر المتولي (بالمعنى الذي فهمه) , وهل هو إجماع معتبر أم لا.

أولا: التولي عند ابن حزم:

مراد ابن حزم بتولي الكفار (كما يفهم من مجموع كلامه) هو: أن يعين المسلمُ الواقعُ تحت حكم الكافرِ الكافرَ على حرب المسلم.

فمناط الكفر (أو مدلول «التولي») مركبٌ عنده من أمرين:

1 - أن يكون المسلم تحت حكم الكافر. ولذلك صور:

الأولى: أن يلحق المسلم بالكفار في دار الحرب مختارا.

الثانية: أن يغلب كافر على دار من دور الإسلام , ويقر المسلمين على حالهم , إلا أنه هو المالك لها , المنفرد بنفسه في ضبطها , وهو معلن بدين غير دين الإسلام , فيبقى ذاك المسلم معه.

الثالثة: إذا استعان المسلم في دار الإسلام بالكفار الحربيين على قتال المسلمين , بشرط أن تكون يدهم هي الغالبة , وحكمهم هو الجاري. فإن كانت يده هي الغالبة فهو هالكٌ في غاية الفسوق ولا يكون كافرا. وإن كانت يده ويد الكفار متساوية لا يجري حكم أحدهما على الآخر فلا يكفر.

2 – أن يحارب المسلمين أويعين الكفار عليهم.

فإن قاتل المسلمُ المسلمين , أو أعان الكفار على قتالهم , دون أن يكون تحت حكم الكفار , فمقتضى تقريره السابق أنه لا يكون كافرا؛ لأنه لم تتوفر فيه العلتان.

فهذا فهم مراد ابن حزم بالتولي من كلامه نفسه.

وبه تبين أنه لم يقصد به مطلق إعانة الكفار على المسلمين بأي صورة من صور الإعانة , وأن من فعل ذلك فهو كافر , فضلا عن أن يحكي الإجماع عليه.

وقد وقفت للإمام أحمد على قول يشير إلى بعض هذا التفصيل. ففي «الفروع» (6/ 163) أنه سئل عن بابك الخرمي , فقيل له: ... ثم خرج إلينا يحاربنا وهو مقيم في دار الشرك، أي شيء حكمه؟ فقال: إن كان هكذا فحكمه حكم الارتداد.

أما من فسر التولي الذي حكى ابن حزم عدم الاختلاف في كونه كفرا بمطلق الإعانة , بناء على أن التولي في اصطلاح العلماء يراد به: الذب عن الكفار، وإعانتهم بالمال والبدن والرأي، وهو كفر يخرج من الملة، والموالاة هي ما كان كبلِّ الدواة، أو بري القلم، أو التبشبش لهم , أو رفع السوط لهم , وهي كبيرة من كبائر الذنوب.

فهو تفسيرٌ غاية في البعد؛ لأن هذا اصطلاحٌ حادث , لا عرفه الصحابة في عهد التشريع , ولا عرفه ابن حزم , ولا دلت عليه اللغة , فكيف تحمل عليه النصوص أو كلام العلماء السابقين؟! وحسبه هذا ضعفا ووهاء.

ثانيًا: من فسَّر «التولي» في الآية بخلاف ما فهمه منه ابن حزم.

أقتصر على قول ابن الجوزي في «زاد المسير» (2/ 378): «قوله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) فيه قولان: أحدهما: من يتولهم في الدين، فإنه منهم في الكفر. والثاني: من يتولهم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأ مر».

فها هو ابن الجوزي يذكر ما قيل في تفسير الآية , وليس فيه ما فهمه ابن حزم. فتذكر هذا عند كلامنا الآتي عن قيمة إجماعه.

ثالثا: وعلى أي الوجهين فهمتَ كلام ابن حزم في مراده بالتولي (الوجه الأول الذي أرجح أنه مراده وفصَّلته آنفا , أوالوجه الثاني الذي زعمه بعضهم وهو مطلق الإعانة).

أقول: على أي الوجهين فهمت مراده فالإجماع الوارد في كلامه لا يمكن أن يعتبر حجة شرعية؛ لأن الذي فعله ابن حزم هو أنه فهم لفظ «التولي» في الآية فهما اعتبره هو ظاهرها (وقد قدمتُ لك من فسَّر الآية بخلاف تفسيره) , ثم جزم - بناء على ما ظنه ظاهر القرآن – بأن هذا الحكم المفهوم من ذاك الظاهر لا يختلف فيه مسلمان (لاحظ أنه لم يحك إجماع أهل العلم فقط , بل حكى عدم اختلاف اثنين من المسلمين فيه) , أي لا يجوز أن يختلف فيه مسلمان , لأن المسلم لا يخالف ظاهر القرآن إلا بحجة , ولم يجدها ابن حزم؛ فحكى عدم اختلاف المسلمين في ذلك بناء على هذا.

هكذا ترتبت المسألة عند ابن حزم , وإلا فلو كان يقصد الإجماع المعتبر المعروف عنده وعند غيره من أهل العلم , فلم لم يَنْقُل ذلك عن أحد ممن قبله كما هي عادته في مسائل العلم , وأين هي أقوال هؤلاء؟! وهل يستطيع أحد أن ينقل ذلك عن ثلاثة ممن قبله فضلا عن جماعة منهم؟! وأليس عجبًا حكاية إجماع المسلمين على حكم من أصول الديانة والاعتقاد لا يمكن نقله عن ثلاثة فقط من أهل العلم الذين سبقوا حاكي الإجماع؟! وهل يعقل هذا؟!

فكيف إن كان مستند ابن حزم في حكمه هذا هو فهمه لظاهر آية يخالفه فيه غيره من المفسرين؟!

فكيف إن وجدنا إماما كبيرا من أئمة الدين والعلم , كالشافعي , قد قال بما يخالف مدلول هذا الإجماع المدَّعى (بناءً على تفسير التولي بمطلق الإعانة , وقد بينت أنه ليس هو مراد ابن حزم)؟!

فالخلاصة أن ابن حزم إنما حكى الإجماع بفهمه لا بنقله. والحجة في الثاني لا في الأول.

فهو في الحقيقة ليس إجماعًا , وإنما هو قول ابن حزم.

أحسب أن في المسألة دقة , فلا عليك أن تكرر النظر في كلامي لتستبينه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير