وأما ابن حزم فقد سبق النقل عنه بتكفير من اعان الكفار بلفظ أو كتابة فضلا عن غيرها من أنواع الاعانة ولم يحفظ عنه في موضع واحد اشتراط المحبة القلبية لدينهم مع كونه شرطا مهما للتكفير – عند المخالفين - لايحل السكوت عنه في موضع البيان.
بل حتى القرطبي رحمه الله الذي ينقل عنه المخالفون كلاما يوهم عدم التكفير بمطلق الاعانة قد فسر التولي في هذه الآية بقوله كمافي تفسيره (6/ 222): يتولهم: أي يعضدهم على المسلمين ".
===============================
وأما الأصل الثاني الذي بنيت عليه المنع فغير صحيح لانتقاض الأمر الأول الذي استدللت به عليه فمنتقض من ثلاثة وجوه:
الاول:
أن هذا الفهم الخاص لمعنى التولي عند ابن حزم مبني على أن (الدخول تحت حكم الكفار) هو علة الحكم بالكفر على من أعان الكفار عند ابن حزم، وهذا مالايسلم لك به، إذ (الدخول تحت حكم الكفار) في كلام ابن حزم الذي نقلته عنه (وصف طردي) لايصلح أن يكون مناطا للتكفير في كلامه، ولا شرطا (جديدا) لتكفير من أعان الكفار، وقد خلطت في كلامك هذا (العلة) ب (الشرط) ولم تبين وجه هذا ولا ذاك، ويلزمك لإثبات كونه علة- على التنزل - أن تسلك مسالك أهل العلم في استخراج علة هذا الحكم من كلامه بأي مسلك من مسالك التعليل، وإلا كان هذا تقولا عليه بلا دليل، وهو شئ لم تسبق إليه، وإن لم يكن كلام ابن حزم- جزما - ككلام الشارع، إلا أن هذا أولى من التحكم بلا دليل.
الثاني:
أن لغيرك أن يدعي أن العلماء (المفقودين) الذي اشترطوا لتكفير من تولى الكفار أن يحب دينهم، لهم فهم خاص) لمعنى التولي، وهو أن التولي عندهم هو (مطلق الموالاة) لا الإعانة والنصرة، وهو الذي عناه ابن الجوزي بقوله: " من يتولهم في الدين، فإنه منهم في الكفر "، فإنه أراد بالتولي هنا (مطلق الموالاة) لا النصرة والإعانة، وهذا الفهم الخاص عند ابن الجوزي أولى بالاعتبار من ذاك الفهم الخاص عند ابن حزم من ثلاثة وجوه:
أحدها: أن هذا فهم صحيح متقرر عند ابن الجوزي وعند غيره من العلماء، بخلاف الفهم الخاص المنسوب لابن حزم.
وثانيها: أن هذا فهم لايتنافى مع تفسير التولي في هذه الآية بالنصرة، فهو مبني على استنباط حكم من الآية لاعلى تفسير التولي بمعنى محدث كماهو في الفهم الخاص المنسوب لابن حزم.
وثالثها: أن هذا فهم لقول أطلقه ابن الجوزي ولم ينسبه لنفسه ولا لغيره، بخلاف فهم يستنبط من قول عالم ثم يجزم بنسبته إليه ويفرع على قوله -بهذا الفهم- قول له لم يسبقه إليه سابق ولا لحقه فيه لاحق إلا إشارة فهمت فهما (خاصا) من إشارة سابق ينقلها عنه لاحق في " مكنسة مذهبه " التي قصد بها جمع فروعه وتحريرها.
الثالث:
أن نقل الاجماع عن محله الظاهر بغير قرينة معتبرة مسلك جديد في نقض الاجماع، ومن لوازمه فتح باب الشرك والبدع لكل صاحب شرك وبدعة.
فلو قيل لمن يعترض على التكفير بمطلق اعانة الكفار:
هات دليلا أو إجماعا على التكفير بمطلق دعاء الأموات؟
فإن ساق الأدلة والإجماع وأقوال أهل العلم فاحملها على (اعتقاد النفع والضر) في الميت، وأنه إن دعى الميت معتقدا فيه النفع والضر كفر وإلا فهو مسلم عاص مرتكب لكبيرة من الكبائر.
وعندك من الأدلة أثر ابن عمر في " خدر الرجل " وهو صحيح ومطابق في درجة الدلالة لحديث حاطب!
ولن تعدم في كلام بعض أهل العلم قوله " من دعا غير الله سائلا له مالايقدر عليه إلا الله ومعتقدا فيه النفع والضر فهو كافر " فاجعل (معتقدا) هنا قيدا تحكما منك بلا دليل ولاقرينة، واحمل كل إجماع يرد إليك من المخالفين في المسألة نحو: " من دعا غير الله فهو كافر بالاجماع " على (الفهم الخاص) لكلام العالم المعتبر الذي ورد في كلامه ذكر الاعتقاد، واعترض على خصمك وقل:
من فسر " الدعاء " في الآيات بـ (سؤال الحاجات)؟! إن هو إلا العبادة واعتقاد النفع والضر من الحجاج للقبور والحاجات.
وكيف يطبق الصحابة والتابعون على السكوت عن نقل الاجماع على التكفير بمطلق الدعاء حتى جاء أهل القرن الثاني فنقله من لم يعتد أن ينقل إجماعا على مالم يسبق إلى نقل الاجماع عليه؟!
وبهذا اللازم يعلم انتقاض هذا الاعتراض، مالم يلتزمه المخالف.
=====================
¥