الأول: دخول ظاهر كالقتال معهم في صفهم على المسلمين كما حصل من العباس في غزوة بدر وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم حكمه فيه على الظاهر مع كونه ادعى الاكراه، وكالقول الصريح للكفار بأنه معهم في حربهم على المسلمين سواء كان هؤلاء المسلمين معتدين على الكفار أم غير معتدين، إذ لو كانوا معتدين فنحن مع الكفار في إجراء حكم الاسلام عليهم بأيدينا أو بأيدي الكفار لافي حرب الكفار لهم حربا تقود إلى إعلاء أحكام الكفر على بلاد الاسلام
الثاني: دخول خفي: كفعل حاطب رضي الله عنه وهو التجسس فمادونه ونقل الاخبار والدلالة ونحوها.
فهذا القسم لايحكم على من وقع فيه بكونه معينا للكفار تجري عليه أحكام هذه الاعانة إلا بعد الاستفصال عن قصده.
فإذا قصد إعانة الكفار بالدلالة علي عورات المسلمين أو نقل أخبارهم أو نحوها من الأفعال المحتملة فإنه يكون بذلك معينا للكفار تجري عليه أحكام الاعانة، وإن ادعى أنه لم يقصد إعانة الكفار على المسلمين وقال:
" كيف أعين الكفار على المسلمين لتعلو أحكام الكفر على أحكام الاسلام وأنا محب للاسلام مبغض للكفر غير شاك في الدين "!
فإننا نجري حكمه في مثل هذه الحالة على ظاهر دعواه وهو أنه لم يقصد الاعانة التي لايمكن أن تقع من مسلم محب للاسلام موقن بصحته مبغض للكفر على الحقيقة وإن ادعى المعين ذلك كله، لأن " اعانة الكفار على المسلمين " تتنافى مع الانقياد لمدلول الشهادتين منافاة تامة لاتقبل الادعاء، ولا يكون الحامل عليها إلا استحباب الحياة الدنيا على الآخرة.
ولهذا فإنك تجد في كلام حاطب رضي الله عنه وفي كلام أهل العلم عن الجاسوس = إيرادهم لعدم الشك في الدين وعدم محبة دين الكفار ونحوها للدلالة على عدم كفره، لا لأنها مناطا للتكفير، بل لأنها لاتتخلف عند وجود حقيقة الاعانة.
والمرجئة هداهم الله لايعتبرون شيئا من الأفعال دالا على انتفاء عمل القلب وهو الانقياد،وهذا مبرك الابل مع من دخلت عليه شبهة ارجاء في هذه المسألة.
والحاصل هو أن أصحاب هذا القسم الأخير لايكفرون بمجرد هذه الأفعال مادام قصدهم بها هو الغرض الدنيوي لأنها معصية من المعاصي التي لاتنقض أصل الاسلام ولاتتنافى مع الشهادتين وإن تكرر منه هذا الفعل
فإن كان صاحب هذا القسم كاذبا في دعواه عدم قصد الاعانة فهو كافر في نفس الأمر، وليس لنا أن نجري عليه أحكام الكفر في الظاهر.
فالجواب أخي أبو حاتم على سؤالك المهم أعلاه تضمن أمرين:
الأول:
أن الدلالة تكون كفرا إذا قصد فاعلها الاعانة بقلبه، وإن لم يفعل حقيقة الاعانة بجوارحه وإنما فعل مايدل على احتمال قصدها.
الثاني:
أن من تمسك بالكليات إذا عارضتها الجزئيات وقضايا الأعيان فإن له الخيرة في الجزئي بحمله على وجوه كثيرة، ومن تمسك بالجزئي- كماهو حال المخالف في هذه المسألة - لم يمكنه مع هذا التمسك أن يكون له خيرة في الكلي بل سيضطر إلى نقضه فتثبت في حقه المعارضة سواء بالاجماع أو بالأدلة أو بأقوال أهل العلم، وترمي به أيدي الاشكالات في مهاو بعيدة لأنه اتباع للمتشابهات وتشكك في القواطع المحكمات.
وهذا الأمرالثاني الذي تضمنه الجواب هو حاصل تقرير الشاطبي رحمه الله في مبحث التمسك بالكليات من الفصل السابق.
ومقتضى الاقرار بكونك أخي الفاضل أبو حاتم مسلما هو لزوم النصح لك في القول والعمل وأن لا يغشك مخالفك المسلم بذكر وجه يعترض به عليك وهو ليس عنده صالحا لذلك، وهذا كما أنه لازما لمخالفك فهو لازم منك له.
====================================
تتمة في بيان أوجه التناقض عند أخي أبو حاتم في ماتضمته تقريراته في المباحث السابقة، وفي التعليق على موضع من كتاب الولاء والبراء الذي أحالنا عليه في هذه المسألة، مع تذكيره وفقه الله أن يعرض عن التعليق على هذه التتمة حتى يعلق على مايراه مشكلا في جوابي على سؤالي الذي طلبه فهو المقصود أصالة بهذا السياق
الوجه الأول:
أن أخي أبو حاتم قد وجه كلام أهل العلم رحمهم الله في التولي توجيها لانظير له في كلامهم وحمله على (فهم خاص) له في التولي عند ابن حزم رحمه الله وغيره كالامام أحمد فيمانقله ابن مفلح في كتاب الفروع.
¥