والذين قالوا بالتضمين لم يجعلوا الدلالة والاعانة شيئا واحدا في الحقيقة، وإنما ألحقوا الدلالة بالاعانة لحديث أبي قتادة المتقدم، ولم يحتجوا على خصمهم بأن الدلالة هي الاعانة أو صورة من صورها فتدخل في حكمها.
ولهذا فهم يعبرون تجوزا بقولهم: أعان بدلالة.
كمايعبر بعضهم تجوزا بقوله: أتلف بإهمال.
مع أن الاهمال ليس بإتلاف في الحقيقة، ولكنه يعطى حكمه في بعض الصور، كالحال في الاجير الخاص والمشترك والمستأجر إذا فرطوا».
وهذه بداية غير مشجعة , لأن فيها تأويلا لا برهان له (لم تذكره أنت , ولا وجود له في نفس الأمر) , بل الدليل على خلافه. فهو تحريف للأسف.
فإنك تزعم أن من ضمَّن بالدلالة (وهم الحنابلة) إنما ذهبوا إلى ذلك لأن الدلالة ملحقة بالإعانة , لا أنها منها.
مع أني نقلت لك قول شيخ الإسلام ابن تيمية في «شرح العمدة» (2/ 182 – 184) المناسك: «وكما يحرم قتل الصيد تحرم عليه الإعانة عليه بدلالة أو إشارة أو إعارة آلة لصيده أو لذبحه ... ».
فظاهر الكلام وصريحه الذي لا يتردد فيه من يفهم كلام العرب أن الإعانة حرام , وأتها تكون بالدلالة والإشارة وإعارة آلة الصيد .. . فالدلالة صورة وفرد من أفراد الإعانة التي تتحقق بها.
ثم ألم أنقل لك قول شيخ الإسلام أيضا: «فقد امتنع القوم من دلالته بكلام أو إشارة , ومن مناولته سوطه أو رمحه , وسموا ذلك إعانة , وقالوا: لا نعينك عليه بشيء؛ إنا محرمون. وما ذاك إلا لأنه قد استقر عندهم أن المحرم لا يعين على قتل الصيد بشيء».؟!
أفمشكلٌ هو غير بين؟!
يقول: «فقد امتنع القوم من دلالته بكلام أو إشارة , ومن مناولته سوطه أو رمحه» فهما أمران امتنعوا منهما: الدلالة ومناولة السوط والرمح «وسموا ذلك» أي: الدلالة ومناولة السوط والرمح «إعانة».
فالصحابة أهل اللسان يسمون الدلالة إعانة , وأنت تقول: لا!!
وهذا هو كلام الحنابلة , وأنت تقول: «إنما ألحقوا الدلالة بالاعانة لحديث أبي قتادة المتقدم، ولم يحتجوا على خصمهم بأن الدلالة هي الاعانة أو صورة من صورها فتدخل في حكمها».
على أني قد بينت لك أن مناط الخلاف بين الحنابلة والشافعية في التضمين بالدلالة ليس راجعا إلى الخلاف في أن الدلالة من الإعانة أو لا. ونقلت لك من كلام النووي ما يبين ذلك.
لكن أين ما وعدتنا بنقله من كلام الشافعي , وفيه التفريق بين الإعانة والدلالة ومافي معناها كالاخبار؟!
وتقول: «ولهذا فهم يعبرون تجوزا بقولهم: أعان بدلالة»!
ولا تجوُّز هنا يا أخي ولا مجاز , وإنما هو على ظاهره , كما تقول: «أعان بآلة الصيد». ولا فرق.
وليتك تذكر لنا قرينة هذا المجاز , وامتناع أو بُعد حمل الكلام هنا على ظاهره.
وأما قولهم: ((أتلف بإهمال)) , فالباء هنا باء السببية , لأن حقيقة الإهمال غير الإتلاف , بل الإهمال هو سبب الإتلاف.
فهل الدلالة هي سبب الإعانة؟!!
2 – لم تجبني عن سؤالي لك: «متى تكون الدلالة إعانة ومتى لا تكون» , واعتذرت بعذر عجيب , وهو أنه خروج عن محل البحث!! مع أنه لا يمكن فهم قولك واستقامة حجته بدونه.
وتعتذر عن الإجابة بأن البحث «هو إثبات أن الدلالة في حقيقتها ليست إعانة وإن كانت تعطى حكمها في بعض الصور، وتكون إعانة في بعضها كماسيأتي، فإذا ثبت أنها محتملة للاعانة فمادونها فهذا هو المقصود لاثبات أنها ليست مناطا صالحا للتكفير بالاعانة».
طيب .. كيف تكون الدلالة ليست إعانة وإن كانت تعطى حكمها؟ ومتى يكون ذلك ومتى لا يكون؟ وما مستند ذلك من لغة العرب أو عرف الشارع؟
لم لا تفصل مقصودك , فتقول: تكون الدلالة إعانة إذا كانت كذا , بدليل كذا , وتكون ليست إعانة إذا كانت كذا بدليل كذا.
لنبين لك التحكُّم الذي ستقع فيه , ثم لننظر فعل الجاسوس من أي النوعين , وهل بين ذلك أهل العلم عند حديثهم عنه.
مهما فررتَ من الإجابة عن هذا السؤال سيظل يتبعك , وستجده أمامك , لأن قولك لن يُفْهَم وتقوم حجته بدون إجابة مقنعة مبرهنة.
3 – وقسمتَ الأقوال والأفعال في دخولها في الاعانة إلى قسمين:
ظاهر , كالقتال , وهو يقتضي الكفر مطلقا.
وخفي , كفعل حاطب رضي الله عنه وهو التجسس فمادونه ونقل الاخبار والدلالة ونحوها.وهو لا يقتضي الكفر إلا إن قصد به إعانة الكفار!
¥