9563ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّخِذُوا اليَهُودَ وَالنّصَارَى أوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة بن عبد المنذر من الأوس, وهو من بني عمرو بن عوف, فبعثه إلى قريظة حين نقضت العهد, فلما أطاعوا له بالنزول أشار إلى حلقه الذبح الذبح.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله, وأخبر أنه من اتخذهم نصيرا وحليفا ووليا من دون الله ورسوله والمؤمنين, فإنّه منهم في التحزّب على الله وعلى رسوله والمؤمنين, وأن الله ورسوله منه بريئان. وقد يجوز أن تكون الاَية نزلت في شأن عُبادة بن الصامت وعبد الله بن أبيّ ابن سلول وحلفائهما من اليهود, ويجوز أن تكون نزلت في أبي لُبابة بسبب فعله في بني قريظة, ويجوز أن تكون نزلت في شأن الرجلين اللذين ذكر السدّيّ أن أحدهما همّ باللحاق بدهلك اليهودي والاَخر بنصراني بالشأم, ولم يصحّ من هذه الأقوال الثلاثة خبر يثبت بمثله حجة فيسلم لصحته القول بأنه كما قيل. فإذ كان ذلك كذلك فالصواب أن يُحْكم لظاهر التنزيل بالعموم على ما عمّ, ويجوز ما قاله أهل التأويل فيه من القول الذي لا علم عندنا بخلافه غير أنه لا شك أن الاَية نزلت في منافق كان يوالي يهودَ أو نصارى, خوفا على نفسه من دوائر الدهر, لأن الاَية التي بعد هذه تدل على ذلك, وذلك قوله: فَتَرى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ ... الاَية.
وأما قوله: بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ فإنه عنى بذلك أن بعض اليهود أنصار بعضهم على المؤمنين, ويد واحدة على جميعهم, وأن النصارى كذلك بعضهم أنصار بعض على من خالف دينهم وملتهم, معرّفا بذلك عباده المؤمنين أن من كان لهم أو لبعضهم وليا فإنما هو وليهم على من خالف ملتهم ودينهم من المؤمنين, كما اليهود والنصارى لهم حرب, فقال تعالى ذكره للمؤمنين: فكونوا أنتم أيضا بعضُكم أولياءُ بعض, ولليهودي والنصراني حربا كما هم لكم حرب, وبعضهم لبعض أولياء لأن من والاهم فقد أظهر لأهل الإيمان الحرب ومنهم البراءة, وأبان قطع ولايتهم.
القول في تأويل قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ.
يعني تعالى ذكره بقوله: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ ومن يتولّ اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم, يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين, فهو من أهل دينهم وملتهم, فإنه لا يتولى متولّ أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض, وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه, وصار حكمه حكمه, ولذلك حكم من حكم من أهل العلم لنصارى بني تَغْلب في ذبائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم بأحكام نصارى بني إسرائيل, لموالاتهم إياهم ورضاهم بملتهم ونصرتهم لهم عليها, وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة وأصل دينهم لأصل دينهم مفارقا. وفي ذلك الدلالة الواضحة على صحة ما نقول, من أن كلّ من كان يدين بدين فله حكم أهل ذلك الدين كانت دينونته به قبل مجيء الإسلام أو بعده, إلا أن يكون مسلما من أهل ديننا انتقل إلى ملة غيرها, فإنه لا يقرّ على ما دان به فانتقل إليه, ولكن يقتل لردّته عن الإسلام ومفارقته دين الحقّ, إلا أن يرجع قبل القتل إلى الدين الحقّ
انتهى
تأمل قولفي المقطع الأول (والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله, وأخبر أنه من اتخذهم نصيرا وحليفا ووليا من دون الله ورسوله والمؤمنين, فإنّه منهم في التحزّب على الله وعلى رسوله والمؤمنين, وأن الله ورسوله منه بريئان)
وتأمل قوله (في المقطع الثاني) (فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين) تأمل اتخاذهم حلفاء وأنصارا على أهل الايمان
وقوله (نصرهم على المؤمنين)
فالكلام على مجرد اتخاذهم حلفاء وانصار على اهل الايمان
والكلام على توليهم ونصرتهم على المؤمنين
¥