تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[النقّاد]ــــــــ[31 - 08 - 04, 04:19 ص]ـ

الأخ الكريم (محب العلم) وفقه الله ..

هذه تعليقات مختصرة على تعقيبك الأخير ..

أولا: تقول: «وإن سلمنا بأن فعل حاطب إعانة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهي غير مكفرة، فهل الاعانة على الجيش الذي فيه الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أذى له أم لا؟

إن كانت أذى له، فقد نص أهل العلم ومنهم شيخ الاسلام في الصارم المسلول على أن أذى الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كفر أكبر وإن لم يقارنه اعتقاد.

وإن لم تكن أذى للرسول صلى الله عليه وسلم فما ذا تكون؟».

شيخ الإسلام يقصد بالأذى: السب والاستهزاء والطعن والعيب وما في هذا المعنى مما ينافي التعظيم والإيمان بنبوة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وهو ظاهر من سياقات كلامه ومن موضوع كتابه.

وإلا .. فهل ((كل)) فعل فيه أذى للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكون فاعله كافرا؟ ويكون فعله منافيا للإيمان به؟

أليس قذف زوجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في عهده قبل أن ينزل القرآن ببراءتها أذى له؟

هو أذى له , ولا ريب , بنص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

ومع ذلك فقد وقع هذا القذف من بعض الصحابة , كمسطح وحسان رضي الله عنهما , ولم يكن ذلك منهما كفرا , ومع ذلك استوجبا الحد؛ لقيام موجبه.

بينما فعل نفس فعلهما الظاهر (القذف) بعض المنافقين , فكانوا به من أهل الجحيم.

فما الذي جعل الأول ليس بكفر , والثاني كفرا؟

الجواب: أن الأولين وإن وقع منهم الأذى بالقذف (الفعل الظاهر) فهم لم يقصدوا به عيب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعيب أزواجه؛ لأن هذا القصد (العيب والطعن) لا يصدر إلا من منافق لا يؤمن بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , وهو لم يقع منهما , بينما الفعل الظاهر (القذف) وقع من مسلم , ولذا استوجب العقوبة.

والذي وقع من حاطب رضي الله عنه هو نظير هذا تماما ..

فهو قد أفشى سر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , وخابر أعداءه , وفي ذلك إعانة لهم وأذية له صلى الله عليه وسلم , كما فعل مسطح وحسان رضي الله عنهما من القذف , فاستوجب العقوبة الدنيوية (الحد أو التعزير) على فعله (التجسس) , كما استوجبها مسطح وحسان على فعلهما , لكن منع من هذه العقوبة في حق حاطب رضي الله عنه الحسنةُ العظيمة التي معه وهي شهوده بدرا.

كما قال ابن القيم في «بدائع الفوائد» (1536 – 1537): «وتأمل قوله لعمر وقد استأذنه في قتل حاطب , فقال: وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. كيف تجده متضمنا لحكم القاعدة التي اختلف فيها أرباب الجدل والأصوليون , وهي: أن التعليل بالمانع هل يفتقر إلى قيام المقتضي؟ فعلل النبيُّ عصمة دمه بشهوده بدرًا دون الإسلام العام؛ فدل على أن مقتضى قتله كان قد وُجِد وعارضَ سبب العصمة , وهو الجس على رسول الله , لكنْ عارضَ هذا المقتضي مانعٌ منع من تأثيره وهو شهوده بدرًا وقد سبق من الله مغفرته لمن شهدها. وعلى هذا فالحديث حجةٌ لمن رأى قتل الجاسوس؛لأنه ليس ممن شهد بدرًا وإنما امتنع قتل حاطب لشهوده بدرًا».

ولم يكفُر حاطبٌ رضي الله عنه بفعله هذا - مع أنه قد يفعله غيره ويكون به كافرا - لأنه لم يقصد به المعنى الأقبح (كما عبَّر الشافعي) وهو الشك في الإسلام والرغبة في ظهور الكفر.

فتبين أن الإعانة قد تقع من مسلم حال ضعف إيمانه , إذا لم يقصد بها نصرة دين الكفار وظهوره , لكنه مع هذا يكون قد ارتكب إثما وضلالا مبينا , ويستحق عليها العقوبة.

وقد تقع من منافق يريد ظهور دين الكفار وليس للإسلام في قلبه نصيب.

والسبيل للحكم على كل منهما بالكفر (في الدنيا , لإجراء الأحكام) الاستفصال عن القصد , كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع حاطب.

وبهذا يعلم أننا قد نحكم في الظاهر بإسلام أحد المُعِينين؛ لأنه أظهر عدم قصده نصرة دين الكفار , واعتذر بذلك , وقد يكون في الباطن منافقا كذب في هذا الاعتذار.

وإنما نحكم على الظاهر والله يتولى السرائر , كما قال الشافعي.

ثانيا: احتجاجك بأن أي إعانة للكفار على المسلمين تتنافى (تتناقض) مع الإيمان , ولذلك هي كفر , احتجاجٌ بالدعوى نفسها , وهو مصادرة على المطلوب. فما الدليل على هذه المنافاة؟

هل هو الإجماع؟ قد تقدم عدم وجود إجماع معتبر.

دليل نقلي ثابت الصحة والدلالة؟ فأين هو؟

دليل عقلي؟ فأين هو؟

ثالثا: لا أدري لم تصر على إقحام التقليد في كل مقام , بمناسبة وبغير مناسبة؟!

تقول: «فأنت تجتهد في التفريق بين الاعانة على قتل النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيرها من صور الاعانة عليه في نفس الوقت الذي تقلد فيه شيخ الاسلام في قوله بأن قتل النبي صلى الله عليه وسلم يتنافى مع الإيمان به».

فهل عندما أقول: إن قتل النبي يتنافى مع الإيمان به , لا بد أن أكون قلته تقليدا لشيخ الإسلام؟! وبالتالي يجب علي أن أقلده في كل ما يقوله , وإلا صرتُ «أترنح» بين الاجتهاد المطلق والتقليد المقيد!

فهل هو قوله وحده؟! أم هو إجماع الأمة ودلائل الكتاب والسنة المتظاهرة.

ثم .. أليس هناك أخذ للقول بدليله , يسميه بعضهم «الاتباع» , وهو مرتبة وسطى بين الاجتهاد والتقليد؟ أم أنه إما مقلد أو مجتهد؟! وإما أخذ جميع أقوال إمامٍ أو اطراحها؟!

رابعا: الحمد لله أنك عرفت الفرق بين تحصيل الإجماع وأقوال العلماء بالفهم وتحصيله بالنقل , وأن العبرة بالثاني.

(تنبيه من محب: هذا الأسلوب العذب والبيان المشرق الذي منحك الله إياهما , كم سيكونان أجمل لو تنزها عن عبارات وألفاظ تتفلت منهما بين الحين والحين , من مثل قولك في تعقيبك الأخير: «تترنح بهذه الطريقة ... » , و «انبطاح علمي ... ») ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير