وأما قولك إنني أطلقت كفر المُعِين على قتل النبي أولا , ثم ذكرتُ الآن التفصيل في صور الإعانة. واعتبارك أن هذا تغيير. فهو عجيب منك.
فهل رأيتني حين ذكرت كفر المُعِين على قتل النبي أولا , لم ألحقه ببيان مناط الحكم؟! أم رأيتني ذكرته , وقد نقلتُ لك عبارتي قبل قليل؟!
فإذا جئتُ الآن - وقد توسعنا في الكلام عن المسألة , ولم تكن عارضة كما كانت أول الأمر - وبينتُ أن هناك صورا لا تدخل في ذاك المناط , هل في هذا تغيير؟!
وهل لو لم أبين الآن بعض الصور التي لا تكون كفرا في الإعانة , ألا يمكن لأي أحد أن يفهمها من المناط السابق الذي وضعته للحكم؟! وهل سيكون مخطئا؟!
وهل في التفصيل الذي ذكرته ((مناقضة)) للمناط الذي ذكرته من أول مشاركة؟!
الثانية: تقول: «فإن كانت صور الاعانة على قتل النبي صلى الله عليه وسلم منها ماهو محتمل للأذى ومنها ماهو ظاهر فيه مع كونها جميعا تقود (قطعا) إلى قتله، فكيف تكون (الدلالة) من حاطب رضي الله عنه ظاهرة في كونها إعانة غير محتملة لعدمها مع كونه لم يقد حتى إلى دفع الشر عن أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!».
ثم تقول: «وهل تعرف صورة للاعانة على قتل النبي صلى الله عليه وسلم محتملة للأذى وعدمه؟»
اعلم يا أخي أن ما فعله حاطب رضي الله عنه , فيه أمران:
1 - إعانته للكفار على المسلمين. ومناط الكفر في هذا الفعل هو أن يقع بقصد نصرة دين الكفار.
2 - إعانته على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إعانة قد تؤدي إلى قتله , وذلك بتجسسه عليه لأعدائه. ومناط الكفر في هذا الفعل هو أن تقع بقصد إلحاق الأذى بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - المستلزم لعدم الإيمان به.
فالأمر الأول صورة للإعانة غير المكفرة , لأن حاطبا قصد الدنيا , لا نصرة دين الكفار.
والأمر الثاني صورة للإعانة على قتل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلحاقُ الأذى به فيها بالقتل - المستلزم لعدم الإيمان به وتعظيمه ومحبته - محتملٌ , وذلك لأن ترتب لحوقه فيها ضعيفٌ في العادة , فيمكن ويتصور أن يكون المُعِين لم يقصده.
وليست كل صور الإعانة على القتل في مرتبة واحدة في احتمال الأذى المستلزم لعدم الإيمان بالنبي وتعظيمه. هذا أمر لا ينكره أحد. فمنها ما هو صريح ظاهر , ومنها ما هو محتمل. وفعل حاطب كان من الثاني.
وأما سؤالك الظريف: «وهل تعرف صورة للاعانة على قتل النبي صلى الله عليه وسلم محتملة للأذى وعدمه؟
إن كانت هذه الصورة موجودة فلماذا تنكر على من يقول بأن من صور الدلالة مالايحتمل الإعانة؟».
فأقول: أنكر عليه , لأن الدلالة هي إعانة , ولو لم يكن فيها إعانة لم تكن دلالة إلا على معنى مجازي لا يريده أحد (كمن يدلُّ الكفار وهو منوَّمٌ مغناطيسيًّا! , أو يدلُّهم بمعلومات كاذبة , ونحو ذلك) , سواء كان الضرر من ورائها قليلا أو كثيرا , ولا يمكن إخراجها من هذا المسمى لا بلغة ولا بعرف , والحكم عليها يكون بتحقيق المناط في حكم الإعانة التي هي (أي الدلالة) فرد من أفرادها.
كما أن كل إعانة على القتل فهي إعانة لغة وعرفا , لكن الحكم على كل إعانة يرجع إلى تحقيق المناط فيها.
وأما قولك: «وأما جعلك مناط التكفير في الإعانة على قتل النبي صلى الله عليه وسلم هو الأذى (وما ألطفه من أذى!!)، فهل تقول به في قتل النبي صلى الله عليه وسلم؟!».
فمناط كفر قاتل النبي هو منافاته ومناقضته للإيمان بالنبي وتعظيمه ومحبته.
وإذا قال قائل: إن مناط كفر من قذف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو أن ذلك إيذاء له , وذلك مناف لتعظيمه والإيمان به , هل يكون بينهما اختلاف مؤثر؟
فالمناط الحقيقي هو منافاة تلك الأفعال للإيمان بالنبي وتعظيمه ومحبته ...
والأذى إنما صلح أن يكون مناطا للتكفير لأنه يدل على المناط الأصلي , وتندرج تحته صور كثيرة.
فإذا جعلتُ مناط الإعانة على قتله هو أن ذلك أذى يلزم منه عدم الإيمان والتعظيم , لم أكن في الحقيقة قد جئت بمناط جديد غير منافاة الفعل للإيمان والتعظيم.
فلو قلتُ: إن مناط الإعانة على القتل هو منافاته للإيمان والتعظيم كان صوابا. وإنما جاء وصف الأذى لتقريب وجه المنافاة , فهي صفة كاشفة.
¥