تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و من الطوام التي ذكرها هذا المشبه استدلاله بحديث حاطب بن أبي بلتعة على أن المظاهر للكفار على المسلمين لا يكفر و لا أريد أن أذكر لفظ حديث حاطب لشهرته و عدم الإطالة على الإخوة و لكن سأذكر الرد على الشبه التي أوردها بعد أن ذكر هذا الحديث نقول:

أولا: يقسم أهل اللغة الكلام إلى قسمين خبر و إنشاء فالخبر مثل جاء زيد فهذا خبر محض عن وجود زيد و ليس في هذا اللفظ أي دلالة أخرى زائدة على الإخبار و و القسم الثاني الإنشاء و هذا عدة انواع منها الأمر و النهي و هما قسما الطلب و التحضيض و العرض و الإستفهام و الدعاء و الإلتماس و الرجاء و التمني و غيرها فالملاحظ من صيغ الإنشاء معرفة إرادة المتكلم بهذه الصيغ فلو قال أحدهم اضرب زيدا أو لا تضربه أو هلا ضربته أو لولا ضربته او غيرها من الأمثلة يتبين أن المتكلم أراد بهذا معنى معين يريد حصوله فيحصل عندنا أن هناك فرقا بين الخبر و الإنشاء و أن الخبر ظاهره إرادة الإخبار فقط و لا يدل إذا كان محضا على مراد المتكلم إلا بقرينة او سؤال المتكلم عن مراده من الإخبار بخلاف الإنشاء فإنه مجرد الصيغة تدل على ما يريد فقوله إضرب زيدا تدل على إرادة ضرب زيدا.

فنرجع إلى لفظ حديث حاطب هل هو خبر أم إنشاء المتدبر لألفاظ الحديث يجزم بأنه من باب الخبر لا من الإنشاء فولو ان حاطبا أمرهم بقتال النبي صلى الله عليه و سلم أو حضهم على ذلك او حثهم عليه لما كان هناك خلاف أصلا في المسألة و لكن لما رأوا أنه خبر و هو محتمل لمظاهرته على المسلمين و محتمل أنه لا يريد المظاهرة و لكن لأمر آخر دون المظاهرة و إن كان قد يلزم منه الإستفادة منه في قتال المسلمين و لكن هو لا يلتزم هذا اللازم فتدبر هذا الفرق يزيل شبه كثيرة تلقى على حكم المظاهر الواضح و هو الكفر و الردة بالإجماع.

هذا وجه رد لم أرى أحدا من أهل العلم ذكره و هو وجه قوي جدا و وجيه.

ثانيا: هذا اللازم و هو ما يلزم حاطب رضي الله عنه من مظاهرة المشركين لا من صريح فعله هو الذي أشكل على عمر رضي الله عنه فحكم مباشرة على حاطب بالكفر لما علم مسبقا بكفر المطاهر و هو ما استبطه الشيخ الفاضل ناصر الفهد من الحديث في كتابه التبيان و هو من أعظم الإستنباطات في هذه المسألة.

لذا جاء في بعض ألفاظ الحديث (لقد ظاهرك عليك) فبين عمر رضي الله عنه سبب تكفيره لحاطب بن أبي بلتعة.

ثالثا: فالنبي صلى الله عليه و سلم أعلمنا و أتقانا و اخشانا لله تعالى لذا لما علم أن حاطب فقط كاتبهم و قرأ الكتاب و رأى أن الأمر محتمل للمظاهرة و محتمل لغيرها توجه لسؤاله لمعرفة حقيقة الأمر فقال (ما حملك على ما صنعت) فلو كان الأمر غير محتمل لما سأل حاطب عن سبب فعله فهذا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لما أخرجه الكفار معهم كرها في غزوة بدر لم يعذره النبي صلى الله عليه و سلم لما كان ظاهر الفعل مظاهرة للكفار مع أنه ادعى أنه كان مكرها فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يفدي نفسه و قال أما ظاهرك فعلينا و أما باطنك فإلى الله فانظر إلى الفرق بين الحادثتين مع أن حاطب كان يقر بأنه أرسل هذا الكتاب للكفار و لكن لما كان فعله محتمل للمظاهرة و محتمل لغيره استفسر منه النبي صلى الله عليه و سلم فلو أن في الكتاب حضه للكفار على قتل المسلمين و أمرهم بقتالهم لما توقف النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك و لا أحد من الصحابة رضوان الله عليهم.

رابعا: كان حاطب رضي الله عنه يعلم حقيقة فعله و أنه ليس بكفر مخرج من الملة لذا قال (و الله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله و رسوله صلى الله عليه و سلم) و في لفظ (و لم أفعله ارتدادا عن ديني و لا رضا بالكفر بعد الإسلام) و في لفظ (ما فعلته كفرا) و في لفظ (و ما غيرت و ما بدلت) و أقره النبي صلى الله عليه و سلم على هذا فقال (صدق و لا تقولوا له إلا خيرا) و كان رضي الله عنه يفرق بين المظاهرة و هي إعانة الكفار على المسلمين و بين الموالاة غير المخرجة من الملة فنفى عن نفسه المظاهرة و بين للنبي ما دفعه إلى هذا الفعل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير