14 - الخلوة الّتي يترتّب عليها أثر هي الخلوة الصّحيحة كما يقول الحنفيّة، أو خلوة الاهتداء كما يطلق عليها المالكيّة.
وهي عند الحنفيّة الّتي لا يكون معها مانع من الوطء، لا حقيقيّ ولا شرعيّ ولا طبعيّ.
أمّا المانع الحقيقيّ: فهو أن يكون أحدهما مريضاً مرضاً يمنع الجماع، أو صغيراً لا يجامع مثله، أو صغيرةً لا يجامع مثلها، أو كانت المرأة رتقاء أو قرناء، لأنّ الرّتق والقرن يمنعان من الوطء.
وتصحّ خلوة الزّوج العنّين أو الخصيّ، لأنّ العنّة والخصاء لا يمنعان من الوطء، فكانت خلوتهما كخلوة غيرهما.
وتصحّ خلوة المجبوب في قول أبي حنيفة لأنّه يتصوّر منه السّحق والإيلاد بهذا الطّريق، وقال أبو يوسف ومحمّد: لا تصحّ خلوة المجبوب لأنّ الجبّ يمنع من الوطء فيمنع صحّة الخلوة كالقرن والرّتق.
وأمّا المانع الشّرعيّ: فهو أن يكون أحدهما صائماً صوم رمضان أو محرماً بحجّ أو بعمرة، أو تكون المرأة حائضاً أو نفساء، لأنّ كلّ ذلك محرّم للوطء، فكان مانعاً من الوطء شرعاً، والحيض والنّفاس يمنعان منه طبعاً أيضاً لأنّهما أذىً، والطّبع السّليم ينفر من استعمال الأذى.
وأمّا في غير صوم رمضان فقد ذكر بشر عن أبي يوسف أنّ صوم التّطوّع وقضاء رمضان والكفّارات والنّذور لا تمنع صحّة الخلوة.
وذكر الحاكم في مختصره أنّ نفل الصّوم كفرضه، فصار في المسألة روايتان، ووجه الرّواية الأخيرة أنّ صوم التّطوّع يحرّم الفطر من غير عذر فصار كحجّ التّطوّع وذا يمنع صحّة الخلوة.
وفي رواية بشر أنّ صوم غير رمضان مضمون بالقضاء لا غير فلم يكن قويّاً في معنى المنع بخلاف صوم رمضان فإنّه يجب فيه القضاء والكفّارة.
وأمّا المانع الطّبعيّ: فهو أن يكون معهما ثالث، لأنّ الإنسان يكره أن يجامع امرأته بحضرة ثالث، ويستحي فينقبض عن الوطء بمشهد منه، وسواء أكان الثّالث بصيراً أم أعمى، يقظان أم نائماً، بالغاً، أم صبيّاً بعد، إن كان عاقلاً، رجلاً أو امرأةً، أجنبيّةً أو منكوحته، لأنّ الأعمى إن كان لا يبصر فهو يحسّ، والنّائم يحتمل أن يستيقظ ساعةً فساعةً، فينقبض الإنسان عن الوطء، مع حضوره.
والصّبيّ العاقل بمنزلة الرّجل يحتشم الإنسان منه كما يحتشم من الرّجل.
وإذا لم يكن عاقلاً فهو ملحق بالبهائم، لا يمتنع الإنسان عن الوطء لمكانه، ولا يلتفت إليه، والإنسان يحتشم من المرأة الأجنبيّة، ويستحيي، وكذا لا يحلّ لها النّظر إليهما فينقبضان لمكانها.
ولا تصحّ الخلوة في المسجد، والطّريق، والصّحراء، وعلى سطح لا حجاب عليه، لأنّ المسجد يجمع النّاس للصّلاة، ولا يؤمن من الدّخول عليه ساعةً فساعةً، وكذا الوطء في المسجد حرام، قال عزّ وجلّ: "وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ".
والطّريق ممرّ النّاس لا تخلو عنهم عادة، وذلك يوجب الانقباض فيمنع الوطء، وكذا الصّحراء والسّطح من غير حجاب، لأنّ الإنسان ينقبض عن الوطء في مثله لاحتمال أن يحصل هناك ثالث، أو ينظر إليه أحد.
ولو خلا بها في حجلة أو قبّة فأرخى السّتر عليه فهي خلوة صحيحة، لأنّ ذلك في معنى البيت.
ولا خلوة في النّكاح الفاسد، لأنّ الوطء فيه حرام فكان المانع الشّرعيّ قائماً.
15 - وعند المالكيّة: الخلوة الصّحيحة، وهي خلوة الاهتداء، من الهدوء والسّكون، لأنّ كلّ واحد من الزّوجين سكن للآخر واطمأنّ إليه، وهي المعروفة عندهم بإرخاء السّتور، كان هناك إرخاء ستور، أو غلق باب، أو غيره.
ومن الخلوة الصّحيحة عندهم أيضاً، خلوة الزّيارة، أي زيارة أحد الزّوجين للآخر.
وتكون بخلوة بالغ - ولو كان مريضاً - حيث كان مطيقاً، ولو كانت - الزّوجة الّتي يخلو بها - حائضاً، أو نفساء، أو صائمةً، وأن يكون غير مجبوب على المعتمد، خلافاً للقرافيّ، وأن تكون بحيث يمكن شغلها بالوطء، فلا يكون معهما في الخلوة نساء متّصفات بالعفّة والعدالة، أو واحدة كذلك، وبحيث لا تقصر مدّة الخلوة فلا تتّسع للوطء، أمّا لو كان معها نساء من شرار النّساء، فالخلوة ممّا يترتّب عليها أثر، لأنّها قد تمكّن من نفسها بحضرتهنّ، دون المتّصفات بالعفّة والعدالة فإنّهنّ يمنعنها.
¥