وجاء في بلغة السّالك والشّرح الصّغير: أنّ الخلوة - سواء أكانت خلوة اهتداء أم خلوة زيارة - هي اختلاء البالغ غير المجبوب بمطيقة، خلوةً يمكن فيها الوطء عادةً، فلا تكون لحظةً تقصر عن زمن الوطء وإن تصادقا على نفيه.
ولا يمنع من خلوة الاهتداء عندهم وجود مانع شرعيّ، كحيض، وصوم، وإحرام، لأنّ العادة أنّ الرّجل إذا خلا بزوجته أوّل خلوة لا يفارقها قبل وصوله إليها.
16 - والخلوة لا يترتّب عليها الأثر السّابق عند الشّافعيّة في الجديد لقول اللّه تعالى: "وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ" الآية والمراد بالمسّ الجماع.
17 - وقال الحنابلة: الخلوة الّتي يترتّب عليها أثر هي الخلوة الّتي تكون بعيداً عن مميّز، وبالغ مطلقاً، مسلماً أو كافراً، ذكراً أو أنثى، أعمى أو بصيراً، عاقلاً أو مجنوناً، مع علمه بأنّها عنده، ولم تمنعه من الوطء إن كان الزّوج يطأ مثله كابن عشر فأكثر، وكانت الزّوجة يوطأ مثلها كبنت تسع فأكثر، فإن كان أحدهما دون ذلك لم يتقرّر بالخلوة شيء، ولم يرتّب لها أثر.
ولا يمنع أثر الخلوة نوم الزّوج، ولا كونه أعمى، ولا وجود مانع حسّيّ بأحد الزّوجين كجبّ ورتق، ولا وجود مانع شرعيّ بهما، أو بأحدهما كحيض وإحرام وصوم واجب.
ومجرّد الخلوة على الوجه السّابق يترتّب عليها آثارها، وقد قال الفرّاء في قوله تعالى:
"وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ" أنّه قال: الإفضاء، الخلوة، دخل بها أو لم يدخل، لأنّ الإفضاء مأخوذ من الفضاء، وهو الخالي، فكأنّه قال: وقد خلا بعضكم إلى بعض.
آثار الخلوة
أوّلاً: أثرها في المهر
18 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ ممّا يتأكّد به المهر الخلوة الصّحيحة الّتي استوفت شرائطها.
فلو خلا الزّوج بزوجته خلوةً صحيحةً ثمّ طلّقها قبل الدّخول بها في نكاح فيه تسمية للمهر يجب عليه المسمّى، وإن لم يكن في النّكاح تسمية يجب عليه كمال مهر المثل لقوله تعالى: "وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ".
وقد روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: " من كشف خمار امرأته ونظر إليها وجب الصّداق، دخل بها أو لم يدخل " وهذا نصّ في الباب.
وروي عن زرارة بن أبي أوفى أنّه قال: قضى الخلفاء الرّاشدون المهديّون أنّه إذا أرخى السّتور وأغلق الباب فلها الصّداق كاملاً، وعليها العدّة، دخل بها أو لم يدخل، حكى الطّحاويّ في هذه المسألة إجماع الصّحابة من الخلفاء الرّاشدين وغيرهم.
وذهب الشّافعيّ في الجديد إلى أنّه لا اعتبار بالخلوة في تقرّر المهر.
لقوله تعالى: "وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ" والمراد بالمسّ الجماع.
ثانياً: أثرها في العدّة
19 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه تجب العدّة على المطلّقة بالخلوة الصّحيحة في النّكاح الصّحيح دون الفاسد، فلا تجب في الفاسد إلاّ بالدّخول، أمّا في النّكاح الصّحيح فتجب بالخلوة لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا" ولأنّ وجوبها بطريق استبراء الرّحم، والحاجة إلى الاستبراء بعد الدّخول لا قبله، إلاّ أنّ الخلوة الصّحيحة في النّكاح الصّحيح أقيمت مقام الدّخول في وجوب العدّة الّتي فيها حقّ اللّه تعالى، لأنّ حقّ اللّه تعالى يحتاط في إيجابه، ولأنّ التّسليم بالواجب بالنّكاح قد حصل بالخلوة الصّحيحة فتجب به العدّة كما تجب بالدّخول، لأنّ الخلوة الصّحيحة إنّما أقيمت مقام الدّخول في وجوب العدّة مع أنّها ليست بدخول حقيقةً لكونها سبباً مفضياً إليه، فأقيمت مقامه احتياطاً إقامةً للسّبب مقام المسبّب فيما يحتاط فيه.
ووجوب العدّة عند المالكيّة بالخلوة الصّحيحة حتّى ولو نفى الزّوجان الوطء فيها، لأنّ العدّة حقّ اللّه تعالى فلا تسقط باتّفاقهما على نفي الوطء.
¥