تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والغيرة، بالتصوف الأعجمي، بالعداء للسنة، بالحقد على الصحابة، بالحرص

على المنصب، بحب الظهور عند جهة مدخولة العقيدة، بالشعوبية المبنية على كره

كل ما هو عربي، بالتعصب للمذاهب والأشخاص، بكثير مما يصعب حصره من

الدوافع التي تظهر خطوطها في كلام أصحابها بادية للعيان، أو تلك التي تتوارى

وتتدارى وتتلفف وتتدثر، ولكن تدل عليها رائحتها وفحيحها من وراء الكلمات. كل

ذلك وأكثر منه قد أُرصِد ويُرصَدُ كي يخفت صوت ابن تيمية، ويسدل الستار على

المنهج الذي نصب له جهده وحياته. ولكن هل نجح ذلك الإرصاد في خفت صوته

وتغييب منهجه؟ ما أحرى ابن تيمية بمعنى قول المتنبي:

كم قد قتلتُ وكم قد متُّ عندكم ثم انتفضتُ فزال القبر والكفن

قد كان شاهد دفني قبل قولهم جماعة، ثم ماتوا قبل من دفنوا

هذا أمر ومنهج قد استتب، وهو إلى قوة وانتشار بحمد الله ومنه وكرمه.

إننا لا ندافع عن ابن تيمية، فابن تيمية يدافع عن نفسه بأسلوبه، وعلى

الرغم من ضياع كثير مما كتب، فيما بقي من تراثه كفاء خصومه، وإذا أشرنا إلى

فقرات من آرائه في مؤلفاته، فهذا ليس تعبيراً عن تعصب للرجل، بل إنصافاً

للحق المجرد الذي نؤمن به وندين الله عليه، فإذا أحبه محبوه فللحق الذي ينافح عنه،

وإذا تحامل عليه من تحامل فللباطل الذي يمدون إليه بسبب أو أكثر.

كما لا نظن بابن تيميه العصمة، فهو بشر يصيب ويخطئ، ولكن المناقشة

العلمية شيء، والتحامل الصارخ، والتشفي العاري شيء آخر.

لا زال مغروساً في ذاكرتي ذلك الموقف الذي كنت عاجزاً عن فهمه وتحليله

يوم حدث، وذلك أني كنت طالباً في كلية الشريعة في دمشق، وكانت مقررة علينا

مادة سموها: الفقه المقارن، وكان تدريسها مسنداً للدكتور الذي نناقش بعض ما

جاء في كتابه هذا، وكان صنف ورقات تحتوي عدة مسائل فقهية خلافية. وكان

من بين هذه المسائل مسألة: الطلاق بلفظ الثلاث، هل يقع ثلاثا أم واحدة، وهي

مسألة مشهورة، وابن تيميه يخالف في هذه المسألة المفتى به عند الفقهاء، وطبيعي

أن الشيخ البوطي ينصر رأي الفقهاء ولا لوم عليه في ذلك، لكن الذي استوقفني في

ذلك الوقت أمران:

1 - وضع الأدلة وسياقها كما ناقشها البوطي حتى ننتهي إلى ما انتهينا إليه من

تأييد رأي الجمهور، فعلى الرغم من الجهد الواضح والحشد وكثرة الأقوال، إلا أنه

ظل في أعماق النفس شيء من هذه الاستدلالات وطريقة عرضها.

2 - الصورة التي عرض البوطي علينا المسألة فيها.

فلا أزال أذكر أنه عندما عرض الأدلة وبدأ يناقشها تغيرت صورته التي

أعرفها أنا على الأقل، فارتفعت لهجته واحتدت، وهذه الحدة كانت ترافق عرض

الحجج التي يعتمدها ابن تيمية، بل كنت أحس أن الشيخ - وهو الهادئ الرزين في

نظري -كان يتهيأ للنهوض عن كرسيه بغضب ظاهر ليدفع خصماً أمامه لم يبق له

معه كلام، ولا بد من اللجوء إلى لغة الدفع باليد، بعد عجز لغة الحجة والبرهان.

طبعاً لم يخلف هذا الموقف في نفسي شيئاً نحو الشيخ حتى عندما سعر الحرب بينه

وبين خصومه الذين يحرص على نعتهم بأقبح الصفات، لم تكن هذه الحروب من

اهتماماتي، فلم أتابع ما قال كل طرف في الآخر. حتى قرأت له هذا الكتاب،

فعجبت أن يكتبه دكتور سلخ مدة ليست بالقصيرة من عمره يدرس ويحاضر ويؤلف.

هل النضج يؤدي إلى هذه النتيجة؟ أم هي فتنة يفتن بها الشيخ بعد هذا العمر؟

أم هذا ديدنه في سائر إنتاجه؟

وبعد أن قرأت «وقفته مع ابن تيمية» أدركت تلك الصورة الغريبة، التي

عجزت عن تفسيرها في ذلك الوقت المبكر، لأنني لم أكن قد اطلعت على شيء

كاف مما كتب ابن تيمية، تؤهلني لإدراك ما وراء الآكام.

تتجمع خصائص البوطي في التأليف والجدل، وتحتشد على نحو بارز

وطريف حينما يتصدى لابن تيمية (منبهاً إلى أخطاء وقع فيها ومعتذراً له!)،

وحتى يكون لتصديه هذا مؤيدون فلا بد من اللجوء إلى رمز له جمهوره، وهكذا فما

إن افتتح البوطي اللعبة التي سماها: «وقفة مع ابن تيمية»، حتى دلف وألقى

الرمز بين يدي جمهوره! هذا الرمز هو الغزالي ..

والمجيء بالغزالي إلى هذا المعمعان حيلة يراها البوطي ناجحة، فلا بد من

إثارة العواطف، وهذه لا تثور إلا بندب وتفجع وتوجع! ولا بد أن يكون موضوع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير