عليه وسلم- وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه، تحقيقاً للدعاء الذي استجابه
لنبيه وللمؤمنين حيث قالوا:] رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [[البقرة 286].
ومن اتبع ظنه وهواه فأخذ يشنع على من خالفه بما وقع فيه من خطأ ظنه
صواباً بعد اجتهاده، وهو من البدع المخالفة للسنة، فإنه يلزمه نظير ذلك أو أعظم
أو أصغر فيمن يعظمه هو من أصحابه، فقلّ من يسلم من مثل ذلك في المتأخرين،
لكثرة الاشتباه والاضطراب، وبعد الناس عن نور النبوة وشمس الرسالة الذي به
يحصل الهدى والصواب، ويزول به عن القلوب الشك والارتياب، ولهذا تجد
كثيراً من المتأخرين من علماء الطوائف يتناقضون في مثل هذه الأصول ولوازمها،
فيقولون القول الموافق للسنة، وينفون ما هو من لوازمه، غير ظانين أنه من
لوازمه، وبقولون ما ينافيه، غير ظانين أنه ينافيه، ويقولون بملزومات القول
المنافي الذي ينافي ما أثبتوه من السنة، وربما كفروا من خالفهم في القول المنافي
وملزوماته، فيكون مضمون قولهم: أن يقولوا قولاً ويكفروا من يقوله، وهذا يوجد
لكثير منهم في الحال الواحد لعدم تفطنه لتناقض القولين، ويوجد في الحالين،
لاختلاف نظره واجتهاده.
وسبب ذلك ما أوقعه أهل الإلحاد والضلال من الألفاظ المجملة، التي يظن
الظان أنه لا يدخل فيها إلا الحق، وقد دخل فيها الحق والباطل، فمن لم ينقب عنها
أو يستفصل المتكلم بها - كما كان السلف والأئمة يفعلون - صار متناقضاً أو مبتدعاً
ضالاً من حيث لا يشعر.
وكثير ممن تكلم بالألفاظ المجملة المبتدعة، كلفظ الجسم والجوهر والعرض
وحلول الحوادث ونحو ذلك، كانوا يظنون أنهم ينصرون الإسلام بهذه الطريقة،
وأنهم بذلك يثبتون معرفة الله وتصديق رسوله، فوقع منهم من الخطأ والضلال ما
أوجب ذلك، وهذه حال أهل البدع كالخوارج وأمثالهم، فإن البدعة لا تكون حقاً
محضاً موافقاً للسنة، إذ لو كانت كذلك لم تخف على الناس، ولكن تشتمل على حق
وباطل، فيكون صاحبها قد لبس الحق بالباطل: إما مخطئاً غالطاً، واما متعمداً
لنفاق فيه وإلحاد. كما قال تعالى:] لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُوا
خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [[التوبة 47]. فأخبر أن المنافقين لو
خرجوا في جيش المسلمين ما زادوهم إلا خبالاً، ولكانوا يسعون بينهم مسرعين،
يطلبون لهم الفتنة، وفي المؤمنين من يقبل منهم ويستجيب لهم: إما لظن مخطئ،
أو لنوع من الهوى، أو لمجموعهما؛ فإن المؤمن إنما يدخل عليه الشيطان بنوع من
الظن واتباع هواه، ولهذا جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
قال: «إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند
حلول الشهوات».
وقد أمر المؤمنين أن يقولوا في صلاتهم:] اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ *
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [[الفاتحة 6 - 7]،
فالمغضوب عليهم عرفوا الحق ولم يعملوا به، والضالون عبدوا الله بلا علم.
ولهذا نزه نبيه عن الأمرين بقوله:] وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ
ومَا غَوَى [[النجم 1 - 2]، وقال تعالى:] واذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وإسْحَاقَ ويَعْقُوبَ
أُوْلِي الأَيْدِي والأَبْصَارِ [[ص 45]. [درء تعارض العقل والعقل 2/ 102 - 105].
صورة ابن تيمية كما رسمها البوطي:
إنه لشيء مؤسف لي أن أجمع خطوط صورة ابن تيمية كما رسمتها ريشة
البوطي الصناع، وأبرزها للقراء؛ حى يطلعوا على هذا الفن الذي يضطلع به
الرجل ويأخذ به نفسه، وبادئ ذي بدء فإني أهمس في أذن الشيخ البوطي همسة
لعلها تفيده في دنياه، وهي أن في هذا العصر - عصر ثقافة التلفاز - قد شاع هذا
النوع من الكتاب الذين يكتبون لهذا الجهاز، ويغذون برامجه بإنتاجهم، فيكتبون
قصصاً وحكايات يستخدمها ويعتمدها منتجو هذه البرامج والمسلسلات.
وقد كشفت في تصوير الشيخ لابن تيمية - رحمه الله -، هذه الموهبة النادرة
في التصوير الذي يناسب أهداف أصحاب هذه المسلسلات ومن يقف وراءهم،
وبخاصة إذا كانت مادتها تتعلق بشخصيات إسلامية تاريخية لها دور في البناء
¥