تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ادعاءات، ثم يبني على هذه الادعاءات نتائج، ثم يضع هذه النتائج في قوالب

المسلمات التي لا تقبل الجدل كما فعل هنا. فبعد أن أشار إلى رأي الفلاسفة القدماء

من أن الأشياء تكمن فيها أسباب ذاتية بالطبع؛ وإلى رأى بعض الفلاسفة

(الإسلاميين) كالفارابي وابن رشد من أن الأشياء فيها أسباب أودعها الله فيها؛

ويضع قاسماً مشتركاً بين أولئك وهؤلاء، وهو أن في الأشياء فاعلية كامنة في ذاتها

تسمى العلة أو السبب، ليصل إلى نتيجة موافقة ابن تيمية - القائل بالأسباب -

للفلاسفة، وهذا ما لا يغتفر.

ومن حيث الأصل فإن الحكم بصحة الرأي لا ينبني على موافقته لهذا الفريق

من الناس مهما كانوا، أو عدم موافقته، بل لا بد أن يكون هذا الرأي صحيحاً في

نفسه حتى لو أعرض عنه من أعرض، أو أخذ به من أخذ، ولكن العجب لا

ينقضي من البوطي الذي يتجاوز عن الغزالي في تبنيه منطق اليونان برمته،

وحكمه (أنه من لا يحيط به فلا ثقة بعلومه أصلاً) [6]، بل يقرر أن ذلك ما هو جدير

أن يشكره عليه ابن تيمية وغيره؛ فإذا ما قال ابن تيمية برأي وتبين أن

للفلاسفة قولاً يوافقه كانت جريمة، وأي جريمة!

نقول هذا ونتحفظ كثيراً على أن ابن تيمية وافق الفلاسفة، فهكذا أراد البوطي،

وإلا فابن تيمية يرى رأيه مستنداً قبل كل شيء وبعده إلى الكتاب والسنة - وهذا

شأنه دائماً - وحتى في هذه المسألة فإن رأيه في غاية الوضوح والسطوع، ولا

يعكر عليه إلا الابتسار والتشويه والتدخل المغرض في ليِّ عباراته والتقول عليه،

وبتر ما يدفع أي شبهة في فكر الرجل وعقيدته، وكمثال على هذا البتر المغرض

فإن البوطي نقل عنه قوله:

(ومن قال: إنه يفعل عندها لا بها، فقد خالف ما جاء به القرآن، وأنكر ما

خلقه الله من القوى والطبائع، وهو شبيه بإنكار ما خلقه الله من القوى التي في

الحيوان التي يفعل الحيوان بها، مثل قدرة العبد). فسكت البوطي هنا، ووقف،

ووقوفه مريب جداً حيث إن تتمة الفقرة تقول: (كما أن من جعلها (أي الأسباب)

هي المبدعة فقد أشرك بالله وأضاف فعله إلى غيره). [مجموع الفتاوى 3/ 112]

واستبعاد هذه العبارة من الاستشهاد يهدم تهويلة البوطي من أساسها من أن (ابن

تيمية يثبت بكلامه هذا العلة الأرسطاطاليسية صراحة (! ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍) ويكرر نظرية الغريزة

بمعناها الفلسفي الذي يعطي المادة فعالية ذاتية مستقلة. وبتعبير أدق: إن ابن تيمية

يثبت من خلال كلامه هذا في السبب (ماهية) هي في الحقيقة مسبب السبب (!)،

وبهذا يخرج ابن تيمية هنا عن روح المذهب الإسلامي، ويعتنق أكبر الأفكار التي

يقوم عليها المنطق الأرسطاطاليسي كما يقرر الدكتور علي سامي النشار)

[كتابه 175].

ومرة أخرى ننبه إلى أنه هنا خلط كلامه بكلام النشار، فبينما يبتدئ الفقرة

فتظن أن هذا كلامه؛ إذا به يختتمها محيلاً على النشار، لكن أين ينتهي كلامه؛

وأين يبدأ كلام النشار؛ فهذا غير مهم عنده.

ونحن هنا ننقل عبارة النشار للمقارنة، فهو يقول:

( .. أو بمعنى موجز إنه أثبت العلية الأرسططاليسية (زاد البوطي هنا:

صراحة!) فأثبت بقوله هو الغريزة أو النحيزة، أو الخلق (اجتهد البوطي هنا

فأضاف كلمة: نظرية، وأضاف القوسين، وأضاف جملة: بمعناها الفلسفي الذي

يعطي المادة فاعليه ذاتية مستقلة. وهذا حتى يثبت إضافته على ما جاء به النشار،

فكم ترك الأول للآخر) أو بمعنى أدق: أثبت في السبب (ماهية) وجوهراً هو

مسبب السبب (عبارة البوطي: (ماهية) هي في الحقيقة مسبب السبب)! وبهذا

خرج عن روح المذهب الإسلامي، واعتنق أكبر الأفكار التي يقوم عليها المنطق

الأرسططاليسي) [7].

البوطي والنشار:

لابد هنا من كلمة تضاف حول النشار، نضعها لما لها من مساس بمنهج

البوطي، فقد قرأت ما كتبه النشار في كتابه (مناهج البحث عند مفكري الإسلام)

وخاصة ما كتبه عن الغزالي وابن تيمية، ووجدته في الأغلب ينصف الرجلين،

ولا يجانبه الصواب إلا في هذا الرأي الذي يقّوِّم فيه رأي ابن تيمية في نظرية

(الأسباب)، والنشار بالدرجة الأولى دارس فلسفة، وقد يكون معذوراً في اعتباره

أن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة فقط، وأن من خالف الأشاعرة فقد خالف أهل

السنة، وأن نصيبه من الاعتماد على الأدلة - الشرعية في بحثه قليل إن لم يكن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير