تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقال في منهجه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهو متأخر عن ابن عربي، فبين

وفاتيهما حوالي 335 سنة فهل نتعلق بالشعراني ونذر مؤرخاً ثقة كالذهبي مثلاً؟!

يقول الذهبي في ابن عربي:

«ومن أردأ تواليفه كتاب «الفصوص» فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا

كفر - نسأل الله العفو والنجاة، فواغوثاه بالله! وقد عظمه جماعة وتكلفوا لما صدر

عنه ببعيد الاحتمالات، وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخنا أنه سمع الشيخ عز

الدين بن عبد السلام يقول عن ابن عربي: شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم، لا

يحرم فرجاً.

قلت: (أي الذهبي): إن كان محي الدين رجع عن مقالاته تلك قبل الموت فقد

فاز، وما ذلك على الله بعزيز».

ونحن هنا لا نحقق بل نشير فقط إلى أولية من أوليات البحث العلمي وهي:

إذا أردنا اعتبار آراء في شخصية ما فأول ما يجب أن ننظر فيه مدى قرب هذه

الآراء من حيث الزمن من الشخصية المتناوَلة، ثم مدى وثاقتها وذلك بمعرفة درجة

أصحابها وقيمة آرائهم في ميزان العلم، فلا نقبل مثلاً بتزكية صاحب بدعة لرأس

في بدعته، كما يرفض رأي المتحامل فيمن عرف بالتحامل عليه، فلا بد من النظر

في الجذور، وفي أقوال أهل العدالة والضبط ممن لا تعنيهم الأسماء أيا كانت، بل

يعنيهم الحق ويدورون معه حيث دار.

وقد كان على الشيخ البوطي - حفظه الله - قبل أن يشير إلى صاحب نفح

الطيب وصاحب شذرات الذهب وصاحب اليواقيت والجواهر، وصاحب كشف

الظنون أن يذكر لنا رأي ابن عبد السلام، وابن دقيق العيد، والذهبي، وابن حجر،

ولا عليه بعدها أن لا يتعرض لابن تيمية من قريب ولا من بعيد، لماذا لم يفعل

ذلك؟ هل يتمذهب هؤلاء النفر الكرام بالسلفية التي اعتبرها بدعة طارئة تمزق

وحدة المسلمين؛ وتقف حجر عثرة أمام المد الإسلامي؟!

ثم إنه يفهم من هذه الحاشية أنه يعتقد أن ابن تيمية يكفر ابن عربي، اعتماداً

منه على رأيه في هجوم ابن تيمية على تكفير العلماء لأدنى شبهة، وقد بينا خطأ

هذا الرأي في المقالة السابقة وأن ابن تيمية من أكثر الناس احتياطاً ودقة في هذا

المجال، ولعل الذي يدفع البوطي إلى هذا الاعتقاد عدم تفريقه بين قول: هذا القول

لفلان كفر أو فيه كفر، والقول بأن فلاناً كافر.

إن القول الذي هو في نفسه كفر؛ أو المؤدي إلى الكفر ينبغي أن يبين غاية

التبيين، ويحذر منه أشد التحذير -وهذا ما يفعله ابن تيمية عادة في نكيره على هذه

الأقوال ومناصريها، وذلك أنه يرنو من خلال كل كتاباته وآثاره إلى قضية جوهرية

هي الجانب العملي من الفكر الإسلامي، والبعد عن الترف الفكري، والخوض فيما

لا فائدة منه، والدفاع عن عقائد الإسلام وأحكامه ضد المؤثرات الدخيلة الضارة،

ووضع المسلمين على الجادة الصحيحة التي يفهمون فيها دورهم، ويدركون ما

اختصوا به من دون الأمم. وعلى هذا ينبغي أن يفهم إنكاره التالي على القائلين

بوحدة الوجود، وعلى من يلتمس الأعذار لهم:

«وأما من قال: لكلامهم تأويل يوافق الشريعة فإنه من رؤوسهم وأئمتهم،

فإنه إن كان ذكياً فإنه يُعَرَّف كذب نفسه فيما قاله، وإن كان معتقداً لهذا باطناً

وظاهراً فهو أكفر من اليهود والنصارى.

فمن لم يُكَفِّر هؤلاء وجعل لكلامهم تأويلاً كان عن تكفير النصارى بالتثليث

والاتحاد أبعد». [مجموع الفتاوى 2/ 133]

أما عن ابن عربي بالذات فيقول: «مقالة ابن عربي في فصوص الحكم:

وهي مع كونها كفراً فهو أقربهم إلى الإسلام؛ لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد

كثيراً ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات غيره، بل هو كثير الاضطراب فيه، وإنما

هو قائم مع خياله الواسع، الذي يتخيل فيه الحق تارة والباطل أخرى والله أعلم بما

مات عليه». [مجموع الفتاوى 2/ 142].

فانظر كيف يفرق بين المقالة وبين صاحبها، وكيف ينصفه فينسب إليه كثرة

الجيد في كلامه، وبأنه لا يثبت على الاتحاد مثل غيره من القائلين بوحدة الوجود،

وكيف أنه لا يغمطه حقه ولا، يهضمه مميزاته التي امتاز بها كسعة الخيال، وكيف

يجوز أنه قد يكون تاب من أقواله المنكرة تلك.

أوهام على قواعد وهمية:

إن الشيخ فيما يكتب لا يرمي إلى دفاع عن هذا العالم أو ذاك، وليس هو

بصدد الإحسان إلى الغزالي أو ابن حزم أو ابن عربي؛ إنما يرمي إلى هدف محدود

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير