تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جداً يعرفه كل من تصفح كتابه هذا، وهو الهجوم على قوم خطَّؤوه وعقبوا على

قول أو أقوال له، وقد اشتهروا بأشياء، فهو يظن أنه إذا تتبع هذه الأشياء وحاول

أن يهوِّن من شأنها سيصيب ضالته، وهي إخماد صوت هؤلاء وتشويه صورتهم،

فتراه يعنِّي نفسه هذا العناء، ويخوض مخاضات تكشف دعاواه، وهو لا يحاول أن

ينجو من واحدة إلا ويرمي نفسه في أخرى، هدانا الله وإياه.

لو كان يرمي إلى تجلية شبهات، والرد على أخطاء، والدفاع الصحيح عمن

يدعي الغيرة عليهم والغضب لهم لكان هناك طريق آخر لذلك يتمثل في تحديد

القضية المختلف عليها، وإزالة الإبهام عنها عن طريق نقل آراء كل من الفريقين

فيها، ومناقشة كلام كل منهما «حسب منهج المعرفة وقواعد تفسير النصوص»

التي دندن بها كثيراً في كتابه، ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل.

والعجيب منه أنه يوهمك أنه ينطلق في أحكامه هذه من قواعد؛ حيث لا

قواعد! ويضع نفسه في مكان القاضي الذي يمسك بالميزان الذي يزن به ابن تيمية

مرة؛ وابن عربي مرة، أسمعه يقول:

«ولقد حكمت هذه القاعدة في حق ابن تيمية، قبل تحكيمها في حق ابن

عربي» ما هذه القاعدة الشرعية؟ وهل مر لها ذكر؟! وبناء على هذه القاعدة

الوهمية يرى أن ابن تيمية يقر الفلاسفة في اعتقادهم بالقدم النوعي للمادة (وقد تبين

لنا مبلغ هذه الدعوى من الصحة في المقال السابق) ثم يؤكد بصلافة أن ما توصل

إليه؛ مما يحلو له أن يلصقه بابن تيمية ليس أقل خطورة وجلاءً من الكفر الذي

تتضمنه عبارات واردة في كلا ابن عربي! لماذا هذا التعسف كله؟ هل يريد أن

يأخذ ابن تيمية رهينة؛ فيهدده بالكفر والتضليل إن لم يقلع أتباعه عن القول بابن

عربي ما يقولون؟! هذا ما تدل عليه حاشيته.

لكنه يحاول أن يظهر للقارئ شيئاً من الفروسية والعفو عند المقدرة، وإن

شئت فشيئاً من الورع عن التقحم بالقول بلا علم، وذلك حين ينكص عن التكفير

والتضليل تبعاً للقاعدة أو القواعد الشرعية الموهومة التي حكمها فتراه يقول:

(ولكنا مع ذلك لم نجنح، لهذا السبب (لا ندري أي سبب؟!) إلى تكفير ابن تيمية

ولا إلى تضليله، بل انطلقنا إلى النظر في ذلك من تحكيم القواعد الشرعية ذاتها!

(ليلاحظ القارئ أنها كانت قاعدة، ثم فرخت فأصبحت قواعد! وليحل بنفسه هذه

الأحجية، بل هذه المعجزة، ولا يستغرب كيف تصبح القاعدة قواعد؛ فلعل هذا

التكاثر حدث بانشطار الخلايا! ولا ينسى المعجزة الكبرى، وهي أن القاعدة

الشرعية الأولى لا وجود لها؛ ومع ذلك فقد ولدت قواعد! من قال إن أدب

اللامعقول لم يترك في الفكر الإسلامي الحديث بصمات؟!)

تسوية:

إن البوطي يحس بالمشكلة التي تحيط بالمقلدين الذين ربطوا أنفسهم

بالأشخاص، فأصبحوا أسرى لكل ما يصدر عن هؤلاء الأشخاص، فبينما يحاول

جاهداً أن يضع بين يديك منهجاً يعصمك من الخطأ، ويعترف انطلاقاً - من منهجه

هو - أن في كتب ابن عربي كلاماً كثيراً يخالف العقيدة الصحيحة ويستوجب الكفر؛

(وهذه عبارته) تراه يلتف على هذا الاعتراف بطريقة بهلوانية لتفريغه من مدلوله

ومحتواه، وذلك:

1 - بالإشارة إلى ما يناقضه من (البيانات المفصلة المكررة) الموجودة في

كتب ابن عربي [2].

2 - وبترداد خرافة الدس في كتب ابن عربي.

3 - وبأن ابن عربي ليس بدعاً في أن يوجد في آثاره كفر وإيمان؛ فابن تيمية

مثله عنده هذا وهذا!

ولا شك أن هذه النقطة الثالثة اكتشاف جديد فتح الله به على الشيخ البوطي،

وهو يحس بهذا الفتح، فتراه يبدئ فيه وبعيد، وكأنه يتصور أن هذا الفتح هو الذي

سيلجم الخصوم، ويلقمهم حجراً لن يستطيعوا بعده كلاماً ولن يحيروا جواباً! وهو

في غمرة نشوته بهذا الفتح الذي ادُّخر له إلى هذا العصر يسترسل في جلاء هذه

النقطة حتى لا يبقى على عينها قشة! فيأتي ببدائع أخرى ما نظن أنه سُبق إليها،

فقضايا الكفر والإيمان داخلة في مبدأ حسن الظن، والعقائد والعبارات الدالة عليها

خاضعة - في رأيه - لأنواع من التأويل والاحتمال، «وإن كان لا بد من تأويل

العبارات الباطلة لتتحول إلى حق فنحافظ بذلك على حسن ظننا بصاحبها، أو من

تأويل كلامه الحق ليتحول إلى باطل فنجعله معتمدنا في إساءة الظن به، فإن مما لا

يرتاب فيه المسلمون قط (لاحظ هذا الجزم) أن الواجب هو تأويل الباطل بما يتفق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير