مع الحق الذي عرف الرجل به لا العكس».
إن هذا العبث الذي يلبسه البوطي ثوب الجدية يلتقي مع العبث الذي يهذي به
اللادينيون الذين يهيمنون على أجهزة التوجيه والثقافة في ردهم على دعاة الإسلام،
مع فرق واحد وهو أن البوطي يجعل من هذا الكلام قاعدة يريد تطبيقها على ابن
عربي وأمثاله، وهم يطبقونها على أنفسهم، ويطاردون بها من يقف في وجه
ميوعتهم وزندقتهم، حيث إن كثيراً منهم يحمل أسماء إسلامية، وقد يقوم ببعض
الشعائر الإسلامية، في الوقت الذي يلاحق فيه كل قضية إسلامية عملية وحيوية،
فإذا ما قال لهم أحداً لا؛ جابهوه بهذا الكلام الذي يختلط فيه الحق بالباطل،
ويستشهد فيه بالحق على الباطل، والذي ينبع خطره من التوائه وغموضه
واستشهاده بمسلَّمات إسلامية من أجل التحلل من الإسلام. وهؤلاء العلمانيون
اللادينيون لا يخفون إعجابهم بمثل ابن عربي الذي يهتف بمبدئهم ودينهم:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعىً لغزلانٍ وديرٌ لرهبانِ
وبيتٌ لأوثانٍ وكعبة طائف وألواحُ توراةٍ ومصحفُ قرآنِ
أدينُ بدينِ الحبَّ أَنَّى توجهتْ ركائِبُهُ، فالحبُّ ديني وإيماني [3]
إن هذه السنة التي يستنها البوطي؛ وهي وجوب تأويل الباطل ليتفق مع
الحق؛ فيها من الجرأة بقدر ما فيها من الجهل، فضلاً عن أنها مستحيلة عند
التطبيق، حتى من قبل الدعاة إليها. فسلوك البوطي مع خصومه مخالفة عملية لهذه
السنة التي يرفع لواءها، فهل هو يحمل باطل خصومه على ما يعرفون به من حق
حين يطلق لسانه فيهم وينعتهم بما ينعتهم به؟! وهبه اطلع على ما نكتبه حول
كتابه الذي ما أحببنا - والله - أن يكون قد كتبه، لما فيه من الإساءة إليه وإلى لقبه
العلمي، ووددنا لو تصدق فيه أسطورة أن هذه الترهات قد دُسَّت عليه، كما يصدِّق
هو هذه الأسطورة في كتب ابن عربي، .. نقول: هبه اطلع على هذه المقالات في
نقد ما كتب؛ فكيف سيستقبلها؟
هل سينشرح لها صدره ويحسن الظن بكاتبها؟! إن ما عرف به مخالف لهذه
السنة التي يبشر بها.
إن هذه الدعوة هدم لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إماتة للفكر
الصحيح البعيد عن الزغل في دنيا المسلمين، وإشاعة لمبدأ: «أغمض عينيك
واتبعني»، وترك الحبل على الغارب لكل من يقول قولاً دون الالتزام بمبدأ خير
القرون، فمهما قرأ المسلم أو سمع عن شخص قال كذا وكذا - مما فيه نظر -
فليس له أن يستجلي حقيقة هذا القول بل عليه أن يذهب ويفتش ملف هذا الشخص:
هل فيه شيء من الخير، فإن وجد خيراً فليسكت، حملاً لما سمع من الباطل على
ما وجد من خير و (ظُنَّ خيراً ولا تسأل عن الخبر)، وإلا فهو سيئ الظن بالناس،
متعرض لما لا يعنيه، وهكذا لن يبقى هناك من يشار إلى أنه أخطأ في مسألة، أو
ترتب على رأي غير سديد له مشكلة، أو سرت آثار بدعته في الأمة حتى اتسع
الخرق على الواقع، وأصبح اقتلاع هذه البدعة متعسراً أو متعذراً، وهكذا سيجلس
أمثال: الجعد بن درهم، والحلاج، وابن عربي، وابن الراوندي، والنصير
الطوسي، مع مثل: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وابن المبارك،
والليث بن سعد .. إخواناً على سرر متقابلين! حيث إنه من «المعلوم والمؤكد»
أن كل من قيل فيه أو أنكر عليه شيء في التاريخ الإسلامي لا يخلو من جانب من
جوانب الخير، حتى اللصوص وقطاع الطرق والظلمة والطغاة في كل عصر لا
يخلون من ذلك، بل إن البدعة لا يصعب تمييزها ويقع الناس فيها إلا لخفائها عليهم
من جراء اختلاطها بجانب من جوانب الخير، فهل نترك القول في ذلك حتى لا
نرمى بإساءة الظن، وهل ترك هو النكير على مما سماه (بدعة السلفية) حتى يكون
لدعوته وثاقة؟ ليتذكر القارئ ركن: «التخبط والتناقض» من أركان منهج
البوطي.
ألا يعلم الشيخ أن علماً قائماً بنفسه، خاصاً بالمسلمين، ومفخرة من مفاخرهم
قد قام على ما يخالف دعوته هذه، وهو علم الجرح والتعديل؟ وهل على ما
استشهد عليه يُسْتَشْهَدُ بالآية الكريمة:] يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ
إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ [؟!
ابن تيمية تحت طائلة التهديد:.
ثم يختم حاشيته بتهديد ابن تيمية بأن يضعه تحت طائلة التكفير، أو بكف
الإشارة إلى كفريات ابن عربي، لأنه إن لم يفعل ويرتدع عن التعرض لابن عربي؛
¥