أمناء على عقيدة السلف وأفكارهم، ومنهجهم في فهم الإسلام وتطبيقه [2]. [236
من كتابه].
ويضع تعريفاً طريفاً للسلفي فيقول:
«والسلفي اليوم كل من تمسك بقائمة من الآراء الاجتهادية المعينة (!) دافع
عنها، وسفه الخارجين عليها ونسبهم إلى الابتداع، سواء منها ما يتعلق بالأمور
الاعتقادية، أو الأحكام الفقهية والسلوكية» [3] [ص237].
ويقول أيضاً في كلام كأنما يصف نفسه: «فكل من حصر الحق في الرأي
الذي انتهى إليه، وعد صاحب الرأي الثاني مبتدعاً أو زائغاً، على الرغم مما
وضحناه من أن كلا الرأيين نابتان في حقل المنهج المتفق عليه، فهو المبتدع حقاً [4]،
وهو المفرق لجماعة المسلمين، والمتسبب لإثارة البغضاء فيما بينهم دون أي
موجب أو عذر، وهو المتنكب عن إجماع المسلمين .. »، [ص 238].
ويرى أن (السلفية) مذهب جديد مخترع في الدين، وهو مجموعة آراء
اجتهادية في الأفكار الاعتقادية والأحكام السلوكية، انتقيت من مجموع آراء اجتهادية
كثيرة مختلفة، قال بها كثير من علماء السلف وخيرة أهل السنة الجماعة، لكن
على غير أساس علمي، بل «اعتمادا على ما اقتضته أمزجتهم وميولاتهم الخاصة
بهم» [5]، بل ويختم هذه التخرصات بالإعلان أن هذه البدعة لا سابقة لها في أي
عهد من عهود السلف أو الخلف، و «من أشنع مظاهر البدع الدخيلة على الدين»
بل ويقسم بحياته أنه لا يعرف للبدعة معنى غير ابتداع لفظة السلفية فيرفع
عقيرته قائلاً: «ولعمري، لئن لم يكن هذا كله ابتداعاً في الدين، فما هو المعنى
المتبقي للبدعة إذن، وفي أي مثال أو مظهر يبرز ويتجسد؟!» [كتابه
ص 242]
وقد سقنا هذه العبارات والفقرات ليتضح لنا تصور الشيخ لهذه الكلمة التي
أطارت النوم من جفونه وكلفته هذا العناء، ولا نريد مناقشة ما جاء به من تعريفات
وتأكيدات حتى لا يطول الكلام، ولكن نكتفي بطرح النقاط التالية:
لا شك أن الشيخ على علم بالعبارة المأثورة عند أمثاله ممن يدرسون ويدرسون
العقيدة على طريقة المتكلمين وهي: (مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أحكم) [6]،
ألا تعني هذه العبارة أن هناك شيئاً اسمه مذهب السلف، وشيئاً اسمه مذهب
الخلف؟
هل الشيخ متأكد أن الناس قبل هذا العصر لم يستخدموا كلمه السلف ليدلوا
على تيار معين في المسلمين؟ وليضرب صفحاً عن آثار ابن تيمية وابن القيم
وأتباع هذه المدرسة؛ ألا يجد في كتب الحديث والتراجم شيئاً يدل على ذلك؟
أما نحن فنجد ذلك واضحاً كل الوضوح، وأن التيار المتمسك بالكتاب والسنة
وفهمهما كما فهمهما الصحابة والتابعون وتابعوهم (وهم خير القرون) تيار واضح
القسمات في كتب العلم.
قال الخطابي: «هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان
مذهب السلف فيها: الإيمان بها وإجراءها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها» [7].
وجاء في الأعلام للزركلي، 8/ 6: «نبا بن محمد بن محفوظ القرشي،
المعروف بابن الحوراني، الشيخ أبو البيان، شيخ الطائفة البيانية، من المتصوفة
بدمشق، قال ابن قاضي شهبة: كان عالماً عاملاً، إماماً في اللغة، شافعي المذهب،
سلفي العقيدة، له تآليف ومجاميع وشعر كثير».
ويقول الدكتور وهبة الزحيلي عن الشيخ جمال الدين القاسمي: «كان سلفي
العقيدة، لا يقول بالتقليد» [8]، فهل الشيخ الزحيلي مبتدع في استخدامه هذا
المصطلح؟ وإذا كان كذلك فما هو المقابل لهذه الكلمة في وصف عقيدة الشيخ جمال
الدين القاسمي يا ترى؟!
وقد غفل البوطي أو تغافل - في حمى حملته على خصومه - أن «السلفية»
مصطلح يختلف معناه الاصطلاحي بين قوم وقوم، فأعداء الإسلام عرباً وعجماً،
على اختلاف مشاربهم وتعدد نظرياتهم؟ يطلقونه على كل من يتمسك بدينه ولا
يتنازل عن عقيدته، ولا يتخلى عن الأصول التي لا يجوز التخلي عنها بحجة أنها
قديمة، فالشيخ البوطي عند هؤلاء سلفي؛ لأنه يعتقد أن في الإسلام واتباع منهجه
نجاة البشرية وهدايتها، ولا يفرقون بين مسلم ومسلم، سواء في جزيرة العرب أو
بلاد الشام أو شمال إفريقيا أو شبه القارة الهندية أو في أوروبا وأمريكا .. إذا كان
هؤلاء المسلمون يعتزون بدينهم ويرونه منهجاً كاملاً شاملاً يحكم الحياة ويصلح دنيا
البشر وآخرتهم.
والبوطي والمتصوفة وكثير من المشايخ المتأثرين بالمدارس ذات المناهج التي
¥