تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[حارث همام]ــــــــ[04 - 12 - 04, 11:37 ص]ـ

شكر الله لشيخي الفاضلين وأستاذي الكريمين، وهنا تعقب ينطوي على أسئلة لاتقرير مسألة، وعلى طلب الإدارك لا استدراك:

- لا ينازع أحد في أن بعض صور الحلف بغير الله حدث فيها خلاف، ولكن ألا ترون أحسن الله إليكم، أن الإجماع قد انعقد على التحريم كما نقل ابن عبدالبر رحمه الله، فيكون المخالف حينها مخالفاً للإجماع لا خارقاً له، بل الإجماع حجة صحيحة عليه، لأن الخلاف الحادث لايعتد به في نقض الإجماع. ولعل أول من فهم من كلامه معارضة الإجماع هو زين الدين القشيري رحمه الله، ولا أ علم هل نقل عن من سبقه مخالفة ما حكاه ابن عبد البر من إجماع؟ فإن لم ينقل عمن قبله (نص ثابت) فبمثل خلاف زين الدين القشيري -على فضله- يشق أن يقال بخرق الإجماع أو استثناء صور منه وذلك لأمور:

---- كلام القشيري ليس نصاً في جواز الحلف بغير الله وإنما هو مفهوم، وفرق بين دلالة النص والمفهوم.

---- من فهم من كلام القشيري القول بالجواز، لم يفهم الصور المشهورة التي يذكرها بعض أهل العلم خارجة عن الإجماع فحسب بل ظاهر كلام القشيري غير مقيد بها، فلزم من ذلك عدم انعقاد إجماع أصلاً عند من اعتد بقول الشيخ زين الدين.

---- القشيري رحمه الله لم ينقل خلافاً بل احتج بما بان له من الأثر، وابن عبد البر نقل إجماعاً، والقشيري ليس بمتقدم على ابن عبد البر -بل هو أصغر بنحو ثلاثة عشر عاماً- ولهذا لايخطر خطأ ابن عبدالبر بمثل هذا.

---- أما من نقل الكراهة فقط فلا تعارض إذ يسوغ حملها على كراهة التحريم إعمالاً للنقلين دون إسقاط لأحدهما كما اختاره بعض المتأخرين خلافاً لبعض محققي المتأخرين.

- أما ما يتعلق بعطف الاسم الظاهر على الضمير، فإن جوازه عند طائفة من أهل العربية واللسان لاينكر، ولكن:

---- ألا ترون أنه مع جوازه مستقبح عند كثير من أئمة اللغة العالمين بها؟ وتعليل الزمخشري المشار إليه يبين وجه قبحه وهو تعليل وجيه ومن قال بجوازه من متأخري اللغويين بغير استقباح لم يجب عليه.

---- ألا يمكن تخريج الآيات التي ضربها بعض أهل العلم مثلاً لما اختلف عليه على قول آخراً بل على قول بل أقوال أولى من التخريج على عطف الظاهر على الضمير؟ ومن ذلك الآية التي أشار إليها شيخنا وأستاذنا أبوخالد فقد رجح الطبري أن العطف هنا على معايش لا على الكاف والميم، فقال: "وهذا التأويل على ما قلناه وصرفنا إليه معنى الكلام إذا كانت من في موضع نصب عطفاً به على معايش، بمعنى جعلنا لكم فيها معايش، وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين. وقيل: إن من في موضع خفض عطفاً به على الكاف والميم في قوله وجعلنا لكم بمعنى وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين، وأحسب أن منصوراً في قوله: هو الوحش قصد هذا المعنى وإياه أراد، وذلك وإن كان له وجه كلام العرب فبعيد قليل لأنها لا تكاد تظاهر على معنى في حال الخفض وربما جاء في شعر بعضهم في حال الضرورة ... وقد بينت قبح ذلك في كلامهم".

والأمر كما قال فتأويل العطف على الضمير هنا فيه قبح لأمرين الأول لما صرح به الأئمة من قبح هذا النوع في العطف عند العرب، وقد مضى نقاش من خالف مستدلاً ببعض ما نقل نثراً أو نظماً، والثاني: لأن (من) في الآية حينها تؤول لمعنى ما وهو أيضاً قليل في كلام العرب رغم وروده، فقوله (لكم) شمل جنس الإنسان، فناسب أن يكون تأويل منصور لها بالوحش أليق من التكرار، بخلاف ما لو قال القائل بترجيح الطبري وهو الذي اختاره محققوا أهل اللغة كالزجاج حيث قال: "ومن لستم له برازقين من منصوب الموضع حملاً على المعنى؛ لأن معنى جعلنا لكم فيها معايش أعشناكم، وكأنه قال وأعشنا من لستم له برازقين"، وعند تكرار الجملة يصح وضع من فيها بغير نزاع، وذلك لأن المعنى المنشأ الجديديشمل نحو الخدم والضعفاء والوحش وليس فيه التكرار المحذور عند العطف على (لكم) أو قصر لها عن ماسوى الخدم والضعفاء ونحوهم من البشر بغير مسوغ ظاهر، واستخدام من لهؤلاء جميعاً (مجموع العقلاء وغيرهم) سائغ عند العرب كثير، بخلاف استخدامها لغير العاقل فهو قليل يرد لمقتضيات.

على أن لهذه الآية تخريجات أخرى: فـ"يجوز أن يكون من مبتدأ والخبر مضمر والتقدير ومن لستم له برازقين جعلنا لهم فيها معايش".

- وأخيراً: ألا ترون -بورك فيكم- أن حمل آية النساء على عطف الظاهر على المضمر، يخالف في تسويغه جمهور عريض من أئمة اللغة إما لزوماً أو استقباحاً، وبخاصة المتقدمين، ثم يلزم بعده تأويل يصرف الاستدلال عى جواز القسم، بينما تقدير محذوف هو باء السببية يرفع هذا الإشكال، فهو يعيد العطف على تتساءلون. وبهذا التقدير يكون وجه حذف الباء ظاهر سائغ بل بليغ بديع فكأنه يمنع بحذفها وقوع الالتباس في المعنى وكأنه يقول: لا يظنن ظان بأن الأرحام عطف على لفظ الجلالة المضمر فإنه كما قبح لغة قبح معنى وشرعاً.

فائدة: مما أشكل أيضاً في كلام الفخر الرازي قوله: "لا تنافي ورود النهي عنه في المستقبل" وهذا ترجيح لكراهة الحلف بالأرحام بأمر محتمل، فإن النهي مدني وآية النساء مدينة ولا تاريخ يبين المتقدم والمتأخر، فعاد التعويل على المتقدم والمتأخر تعويل على محتمل لايصح صرف مادل على الجواز -إن كان ثم ما دل- على التحريم. فضلاً عن أن موضوع الحلف بغير الله متعلق بالتوحيد ومثل هذا لايطرأ عليه نسخ، إلاّ إن أراد ما أشير إليه في رد سابق من قول شيخ الإسلام والذي يفهم منه أنه لايسلم بدلالته على الجواز أصلاً بفرض الحمل على العطف بدون تكرار العامل وهو ضرب من تدريج التشريع والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير