تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حكم زيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[/ CENTER]

ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى استحباب زيارة قبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ويذكرون ذلك عادة في كتاب الحج، عند الكلام على زيارة المدينة النبوية.

انظر: (الفتاوي الهندية 1/ 265. المجموع للنووي 8/ 72). المغني لابن قدامة 3/ 588).

حجتهم أحاديث الزيارة الواردة في هذه الرسالة، والحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام). أخرجه أحمد في المسند (2/ 527). وأبو داود في سننه (المناسك ح 2041).

قال العلامة المحدث محمد شمس الحق أبادي في عون المعبود (6/ 25): "واعلم أن زيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أشرف من أكثر الطاعات وأفضل من كثير المندوبات، لكن ينبغي لمن يسافر أن ينوي زيارة المسجد النبوي، ثم يزور قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويصلي ويسلم عليه، اللهم ارزقنا زيارة المسجد النبوي، وزيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آمين".

كما ذكر القاضي عياض في الشفا (2/ 667). عن الإمام مالك كراهته أن يقول الزائر: "زرت قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ". كما ذكر عنه (2/ 671) قوله: "لا أرى أن يقف الزائر عند قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يدعو، لكن يسلم ويمضي". وقال أيضا (2/ 675): "قال مالك في المبسوط: وليس يلزم من دخل المسجد وخرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر، وإنما ذلك للغرباء". وقال أيضا: "لا بأس لمن قدم من سفر أن يقف على قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر، فقيل له: إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه، يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر وربما وقفوا في الجمعة ساعة. فقال: لم يبلغني هذا عن أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع! ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها! ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك! ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده". ثم قال: "قال ابن القاسم: ورأيت أهل المدينة إذا خرجوا منها أو دخلوها أتو القبر فسلموا، قال: وذلك رأي".

فهذا رأي إمام دار الهجرة رحمه الله، ولو أن أحدا من علماء زماننا قال ما قاله مالك، لقالوا: وهابي يكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويكره زيارة قبره المكرم ولأقذعوه بأقبح الألفاظ.

هذه الأقوال عن الإمام مالك تردُّ ما نقله الحافظ في الفتح (3/ 66) عن محققي المالكية أنه أرد اللفظ ولم يرد الفعل، ونَقْل القاضي عياض يدل عليه، حيث لم يعلق على كراهة مالك قولهم: "زرت قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ". وقيد الزيارة للغرباء والقادمين من سفر، وأن زيارة قبره ? ليست بلازم لأهل المدينة.

ترى هل الإمام مالك من أتباع مدرسة ابن تيمية أو ابن عبدالوهاب، والذين جاءا بعده بقرون؟! وإذا كان هذا رأي مالك في كراهته تكرار الزيارة لأهل المدينة والوقوف على القبر، فكيف بمن يشد الرحل لمجرد الزيارة والوقوف أمام القبر للإستغاثة برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وطلب الإستغفار والحوائج منه.

أما مسألة شد الرحل لزيارة قبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فإنه لم يرد فعله عن الصحابة الكرام ولا التابعين ولا الأئمة من الفقهاء والمحدثين، وإنما هو من فعل الرافضة قلدهم فيه أصحاب الطرق الصوفية.

فينبغي لمن رغب في زيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصاحبيه رضي الله عنهما أن يُعمل النية للسفر إلى مسجده، والصلاة فيه رغبة في الثواب الذي جاء في ذلك من كون الصلاة في مسجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، أخرجه البخاري (الجمعة ح 1190)، ومسلم (الحج ح 1394) من حديث أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -.

ثم يقوم بالزيارة والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصاحبيه تأسيا بفعل الصحابي الجليل ابن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -، وعليه فتوى إمام دار الهجرة.

فعن مسلم بن أسلم بن بجرة أخي الحارث بن الخزرج وكان شيخا كبيرا قد حدث عن نفسه قال: ثم إن كان ليدخل المدينة فيقضي حاجته بالسوق ثم يرجع إلى أهله، فإذا وضع رداءه ذكر أنه لم يصل في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيقول: والله ما صليت في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فإنه قد قال لنا:

(من هبط منكم إلى هذه القرية فلا يرجعن إلى أهله حتى يصلي ركعتين في هذا المسجد ثم يرجع إلى أهله).

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 435): "حدثنا أبو خليفة، ثنا علي بن المديني، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، ثنا أبي عن بن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن مسلم به….". رجاله ثقات، وابن إسحاق صدوق مدلس صرح بالتحديث، وعزاه الحافظ في الإصابة (6/ 83) لابن مندة، وقال: "غريب لا يعرف عنه إلا من هذا الوجه". وقال الهيثمي في المجمع (4/ 8): "رجاله ثقات".

فهذا الصحابي الجليل حدث عن نفسه عندما يأتي المدينة أنه يصلي في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولم يتطرق لزيارة القبر الشريف، لأنها لم تكن معروفة لدى كبار الصحابة رضي الله عنهم فضلا عن صغارهم، ولعل هذا هو مستند إمام دار الهجرة عندما قال عمن يزور القبر كلما دخل المسجد: "لم يبلغني هذا عن أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع! ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها! ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك! ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده".

يتبع بإذن الله وأرجو أن أستفيد من توجيهات الإخوة الكرام

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير