قلت: وافق ابن حجر الذهبي في هذه المقولة!! والمعترض لم يفهم عبارة العقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 457)، والتي وافقه عليها الذهبي، وهي: "وهذا يروى بغير هذا الإسناد من طريق أيضا فيه لين"، وبقية قول الذهبي في الميزان (3/ 348) والذي تعامى عنه المعترض: "يروى في هذا شيء أمثل من هذا".
فيا عجبى من تعالم المعترض وقوله: "كلام العقيلي هنا أقوى وأقعد". فأي فرق بين العبارتين!!
ثم لو فتش المعترض كتاب الشفاء للسبكي (ص 38) لوقف على نقله عن ابن عساكر عن العقيلي قوله في فضالة: "لا يتابع على حديثه من جهة تثبت، ولا يعرف إلا به". لكنه التعالم بالهوى والبدعة، أعماه عن رؤية الحق والحقيقة حتى في كتب أسياده. ثم عَجبُ المعترض فيه تعالم آخر! فالراوي فضالة ذكر ابن حجر فائدة عن أبي نعيم قوله فيه: "روى المناكير" والحديث من مروياته. وليس هو علة الحديث الوحيدة.
ثم قال المعترض (ص 265) عن "محمد بن يحيى بن قيس المأربي": "فقبول توثيق الدارقطني وابن حبان، هو الموافق لقواعد الحديث، ومن علم حجة على من لم يعلم".
قلت: كم ظن المعترض نفسه إماما لا يجارى فهرف بما لم يعرف، فمحمد بن يحيى بن قيس المأربي اختلفت فيه أقوال الأئمة، بين موثق ومضعف، لكن رجح الذهبي وابن حجر جرحه. وعند تعارض الجرح والتعديل قال الخطيب في الكفاية (ص 105): "اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد والإثنان، وعدله مثل عدد من جرحه فإن الجرح به أولى، والعلة في ذلك أن الجارح يخبر عن أمر باطن قد علمه ويصدق المعدل ويقول له: قد علمت من حاله الظاهرة ما علمتها، وتفردت بعلم لم تعلمه من اختبار امره، وأخبار المعدل عن العدالة الظاهرة لا ينفى صدق قول الجارح فيما أخبر به، فوجب لذلك أن يكون الجرح أولى من التعديل".
ترى ما هو الموافق لقواعد الحديث، قول المعترض الذي أبان عن جهله وتعالمه، أم قول الخطيب البغدادي الذي وافقه أئمة الحديث، ثم الجرح في هذا الراوي من ابن عدي مفسر، وهو نكارة أحاديثه التي ساق بعضها في ترجمته في الكامل، ثم تقديم الذهبي للجرح وذكر الراوي في ديوان الضعفاء والإكتفاء بعبارة ابن عدي، وهذا لا يعارض قوله في الكاشف "وثق"، حيث ذكرها بصيغة التمريض.
ويستمر تعالم المعترض فقال (ص 267): "بقي الكلام على ما قد يظن بعضهم أنه علة ثالثة في هذا الإسناد، وهي أن ابن جريج… مدلس ولم يصرح بالسماع. والجواب على ذلك: أن هذا يرويه ابن جريج عن عطاء وروايته عنه محمولة على السماع صرح أو لم يصرح، فإن ابن جريج قال: إذا قلت: قال عطاء فأنا سمعته منه وإن لم أقل سمعت. وعزاه المعترض لتهذيب ابن حجر 6/ 406".
كم أثبت المعترض تعالمه وتطاوله على الأئمة، فأقول:
أولا: لم يحقق لنا المعترض هنا من هو عطاء المهمل، وابن جريج يروي عن ثلاثة كلهم عطاء، ويروي عن ابن عباس منهم إثنان، هما ابن أبي رباح والخرساني.
ثانيا: من تعالمه ذكره مقولة ابن جريج السابقة في روايته عن عطاء. وسند الحديث هنا فيه عنعنة ابن جريج عن عطاء، وليس فيه قال عطاء. وهذا منتهى التعالم من المعترض وهو عدم تفريقه بين (عن) و (قال). وجهله بما قاله الدارقطني في ابن جريج: "شر التدليس تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس الا فيما سمعه من مجروح". انظر تعريف أهل التقديس (ص95 ت 83). كما ذهب الدارقطني إلى اجتناب حديثه المعنعن. انظر فتح المغيث (1/ 185). لكن المعترض محروم من التحقيق العلمي.
وتمادى المعترض في تعالمه الفج فقال (ص 267): "فالحاصل مما تقدم أن هذا الإسناد فيه راو غاية ما فيه أنه مجهول وتفرد بهذا الحديث وآخر اختلف فيه".
قلت: تعالم المعترض منعه من تحقيق إسناد الحديث من أوله إلى منتهاه، وظن وبعض الظن إثم أن علة الحديث في هذيين الراويين فقط، فما قوله في:
• "عطاء" المهمل ومن هو؟
• وتدليس ابن جريج الذي وصفه الدارقطني بأنه شر تدليس، وقد عنعن؟
• ثم من هو شيخ العقيلي؟ "سعيد بن محمد الحضرمي".
ومن علم حجة على من لم يعلم، ونسأل الله الإنصاف في تحقيق الحق عند الخلاف.
الحديث الثاني
(من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان).
¥