ذكر السبكي أن أبا سعيد عبدالملك بن محمد بن إبراهيم، روى هذا الحديث عن علي ? في كتابه (شرف المصطفى)، قال السبكي: "وهذا الكتاب في ثمان مجلدات، ومصنفه عبدالملك النيسابوري، صنف في علوم الشريعة كتبا، توفي سنة ست وأربعمائة، وقبره بها مشهور يزار ويتبرك به". انظر شفاء السقام (ص 39).
قال مقيده عفا الله عنه: هنا ملاحظتان على السبكي:
الأولى: سكوته عن الحديث وعدم تحقيق سنده، يثبت أ نه ليس من رجال هذا العلم وأهله، وهنا يظهر الفرق بينه وبين الإمام ابن عبدالهادي رحمه الله، حيث محص ونقد الأحاديث التي ساقها السبكي في شفائه على عواهنها، بطريقة علمية هي طريقة أئمة الحديث، فشرق بذلك صاحب كتاب (رفع المنارة) وغيره من أهل الأهواء والبدع.
الثانية: قوله عن قبر أبي سعيد النيسابوري: "مشهور يزار ويتبرك به" قبورية من السبكي.
إذ التبرك بالقبور بدعة لم نعهدها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا صحابته الكرام رضي الله عنهم ولا من الأئمة المتبوعين، كما لم يُعهد عنهم شد الرحل لزيارتها والعكوف عندها، والطواف حولها وتقديم النذور وعمل الموالد لأصحابها، إذ كل ذلك من فعل المبتدعة وأهل الأهواء من الروافض والمتصوفة، وهو من جنس عمل الجاهلية، حيث التبرك بالأصنام والطواف حولها وتقديم النذور لها، كما قص لنا القرآن الكريم عن قوم نوح، نعوذ بالله من الخذلان.
والسبكي أثبت هنا أنه من المؤيدين والداعين لذلك، حيث قال في شفائه: "وكذلك إذا المقصود التبرك ممن لا يقطع له بذلك، وإن كنا نستحب زيارة قبور الصالحين من حيث الجملة، ونرجو البركة بزيارتها أكثر مما نستحب زيارة مطلق القبور، وأما من يقطع ببركته كقبور الأنبياء ومن شهد الشرع له بالجنة كأبي بكر وعمر، فيستحب قصده". انظر المصدر السابق (ص 97).
قال مقيده عفا الله عنه: يستحب زيارة القبور على العموم، ولم يرد نص بزيارة قبور بعينها لانبي ولا ولي ولا أن بزيارتها تحصل البركة، قال ابن كثير رحمه الله: "وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بتسويه القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام". انظر البداية والنهاية (10/ 274).
وقال أيضا في ترجمة "الخضر بن نصر": "وترجمه ابن خلكان في الوفيات وقال: قبره يزار وقد زرته غير مرة، ورأيت الناس ينتابون قبره يتبركون به". فتعقبه ابن كثير بقوله: "وهذا الذي قاله ابن خلكان مما ينكره أهل العلم عليه وعلى أمثاله ممن يعظم القبور". انظر المصدر السابق (12/ 307).
وما قاله السبكي آنفا هو من جنس هذا المنكر الذي قاله ابن خلكان، وأنكره الحافظ ابن كثير.
ـ[عبدالغفار بن محمد]ــــــــ[16 - 02 - 05, 05:20 م]ـ
الحلقة التاسعة
حديث أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -
(من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي، ومن زارني كنت له شهيدا – أو – شفيعا يوم القيامة).
حديث منكر موضوع، عزاه السبكي في شفائه لأبي الفتوح سعيد بن محمد بن إسماعيل اليعقوبي في جزء له فيه فوائد مشتملة على شمائل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فقال: "حدثنا الإمام السمعاني أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن الحافظ إملاء في الروضة بين قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومنبره في الزورة الثانية، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن عبدالرحمن الزكواني، أنبأنا أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ، حدثنا الحسن بن محمد السوسي، أنبأنا أحمد بن سهل بن أيوب، حدثنا خالد بن يزيد، حدثنا عبدالله بن عمر العمري قال: سمعت سعيدا المقبري يقول: سمعت أبا هريرة…الحديث.
ثم ذكر السبكي أن علة الحديث هو "خالد بن يزيد"، وذكر كلام ابن حبان فيه. انظر شفاء السقام (ص 34، 35).
علل الحديث:
1. "خالد بن يزيد" العمري أبو الوليد.
اكتفى السبكي من كلام ابن حبان بقوله فيه: "إنه منكر الحديث"، وأعرض عن ذكر بقية كلامه وهو قوله: "منكر الحديث جدا، أكثر من كتب عنه أصحاب الرأي، لا يشتغل بذكره لأنه يروي الموضوعات عن الأثبات". انظر المجروحين (1/ 284).
وهذا من السبكي تعالم مخالف للأمانة العلمية في النقل، كما أنه لم يتتبع بقية أقوال الأئمة فيه:
قال البخاري: "ذاهب الحديث". كذا في التاريخ الكبير (3/ 184). وذكر ابن أبي حاتم عن ابن معين قوله: "كذاب"، كما ذكر عن أبيه قوله: "كان كذابا أتيته بمكة ولم أكتب عنه، وكان ذاهب الحديث". انظر الجرح والتعديل (3/ 360).
وقال ابن عدي: "أحاديثه عامتها مناكير". انظر الكامل في الضعفاء (3/ 890).
وقال العقيلي: "يحدث بالخطأ ويحكي عن الثقات ما لا أصل له". انظر الضعفاء الكبير (2/ 18).
ترى هل خفيت هذه الأقوال على السبكي؟! ومن روى حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين، فأين المعترض المتعالم ابن ممدوح صاحب كتاب رفع المنارة من السبكي.
2. "الحسن بن محمد السوسي".
3. "أحمد بن سهل بن أيوب".
قال ابن عبدالهادي: "يرويان المنكر، لا يحتج بخبرهما ولا يعتمد على روايتهما". انظر الصارم المنكي (ص 227).
قلت: وفيه علة رابعة وهي: "عبدالله العمري"، المكبر الضعيف، سبق وتكلمنا عليه في أحاديث ابن عمر.
¥