قلت: فالأولى أن لا يوافق الذهبي الحاكم في تصحيحه كما مر آنفا في المستدرك (2/ 595)، مادام عطاء مجهولا لا يعرف، ولأجله ضعف الألباني الحديث، لكن سعيد المقبري يروي هذا الحديث عن عطاء آخر هو ابن ميناء، أخرجه مسلم (الإيمان ح 155) وليس فيه لفظ الزيارة: قال رسول الله ?:
(ثم لينزلن بن مريم حكما عادلا، فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية ولتتركن القلاص، فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء، والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد).
و أَيّد ابن عساكر في تاريخ دمشق (47/ 493) هذه الرواية بقوله: "وهذا هو المحفوظ".
مسألة إختلاط سعيد المقبري:
رُمي المقبري بالإختلاط، رماه الواقدي ـ والواقدي غير حجة ـ. قال الحافظ عن المقبري: "مجمع على ثقته، لكن شعبة يقول: حدثنا سعيد المقبري بعد أن كبر، وزعم الواقدي أنه اختلط قبل موته بأربع سنين، وتبعه ابن سعد ويعقوب بن شيبة وابن حبان، وأنكر ذلك غيرهم. وقال الساجي عن يحيى بن معين: أثبت الناس فيه ابن أبي ذئب. وقال ابن خراش: أثبت الناس فيه الليث بن سعد". انظر مقدمة الفتح (2/ 130).
وقال الباجي في التجريح والتعديل (3/ 1079) عن ابن عجلان: "كان سعيد بن أبي سعيد يسندها عن رجال عن أبي هريرة، فاختلطت عليه فجعلها عن أبي هريرة". وقال العلائي في جامع التحصيل (ص 184): "سمع من أبي هريرة، ومن أبيه عن أبي هريرة وأنه اختلف عليه في أحاديث، وقالوا: أنه اختلط قبل موته وأثبت الناس فيه الليث بن سعد، يميز ما روى عن أبي هريرة مما روى عن أبيه عنه، وتقدم أن ما كان من حديثه مرسلا عن أبي هريرة فإنه لا يضر لأن أباه الواسطة".
ثالثا: علل طريق ابن عساكر:
1. "محمد بن إسحاق"
صاحب المغازي، مدلس من الطبقة الثالثة التي لا تقبل عنعنتها. قال العلائي (ص 261): "مشهور بالتدليس، وأنه لا يحتج إلا بما قال فيه حدثنا". وقال الحافظ في تعريف أهل التقديس (ص 132): "صدوق مشهور بالتدليس عن الضعفاء المجهولين وعن شر منهم، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما".
أما الطريق الآخر الذي رواه ابن عساكر ففيه إشكال الراوي "شبيه المدني"، فالذي ظهر لي والله أعلم أنه تصحيف من الناسخ ومشى على طابع الكتاب، وصوابه "سعيد المدني" وهو المقبري، لأن الراوي عنه هو حميد بن صخر، وفيه ما تقدم من الكلام.
2. "إسحاق بن إبراهيم الملقب بشاذان"
قال الحافظ في لسان الميزان (1/ 347): "له مناكير وغرائب، مع أن ابن حبان ذكره في الثقات…إلى أن قال الحافظ: .. وقد جمع ابن مندة غرائبه، ووقعت لنا من طريقه. وقد ذكره ابن أبي حاتم فنسبه: إسحاق بن إبراهيم بن عبدالله بن عمر بن زيد النهشلي. وقال: صدوق".
الخلاصة:
مما سبق تبين لنا أن هذا الحديث مداره على المقبري. والحديث روي من طريقه من غير ذكر لزيارة القبر، رواه عنه الليث بن سعد وهو من أثبت الناس فيه، كما في رواية مسلم التي ذكرناها آنفا عند كلامنا على طريق الحاكم، مما يدل على أن عبارة "زيارة القبر" شاذة. كما روي عن أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - دون ذكر الزيارة، رواه عنه إمامان ثقتان هما:
"سعيد بن المسيب" في الصحيحين انظر انظر (البخاري ح 2222، ومسلم ح 155).
و"محمد بن سيرين" انظر مسند أحمد (2/ 411).
مما يقوي شذوذ عبارة "زيارة القبر". ولأجل ذلك ساق الحافظ ابن عساكر في تاريخه (47/ 524) قرابة عشر روايات عن أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ليس فيها ذكر لزيارة القبر الشريف، ولما ذكر الرواية التي فيها ذكر دفن عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بجوار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: "قال البخاري هذا لا يصح عندي، ولا يتابع عليه"، وقال (47/ 493) عن رواية مسلم: "وهذا هو المحفوظ".
الرد على المعترض صاحب كتاب "رفع المنارة"
تعالم المعترض فقال في رفع المنارة (ص 292) عن حديث الباب: "قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، وسلمه الذهبي. وللحديث أوجه أخر، ورجح هذا الوجه أبو زرعة الرازي في العلل رقم (2747)، ولا يضر هنا عدم تصريح محمد بن إسحاق بالسماع".
قال مقيده عفا الله عنه: هذا كل ما جادت به قريحته، والمقام يقتضي البحث والتحقيق ودراسة أسانيد هذه الأوجه، وترجيح ما في الصحيحين على غيرهما كما تقتضيه قواعد علم المصطلح التي خالفها المعترض بتعالمه، ولكونه صاحب هوى ينصره وبدعة اشرأبت عنقه للدفاع عنها، اكتفى بهذه الرواية الشاذة، كالذي استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ثم ترجيح أبي زرعة لا يصحح الرواية ولا يزيل إشكال عنعنة ابن إسحاق!.
وقوله: "ولا يضر هنا عدم تصريح محمد بن إسحاق بالسماع"، تعالم مخالف لأدنى قواعد الحديث التي أشفق على ابن عبدالهادي عدم اتباعها بزعمه. قال الحافظ العلائي في جامع التحصيل (ص 261) عن ابن إسحاق: "مشهور بالتدليس وأنه لا يحتج إلا بما قال فيه حدثنا".
فكم تعالم المعترض وخالف أقوال الأئمة وأحكامهم على أحاديث الزيارة.
¥