تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد كان عصرُ ابن عابدين مرحلةً خطيرةً انتشرتْ فيها الفتنُ وعمَّ فيها الفسادُ، وساد الاضطراب على الحياة الاجتماعية في جميع أرجاء المعمورة، خاصّةً العالم الإسلامي شهد انهيارًا بالغًا في الأخلاق والسلوك، فأدّي ذلك إلى ضياع الرُّشْدِ وغياب القِيَمِ الساميةِ والفصائل، حتّى احتلّتْ مكانها بِدَعُ الصوفيةِ وخرافاتُ السحرةِ والمشعوذين. نشاهد موقفَ ابن عابدين الغافلَ عن أحداثِ وتطوّرات عصرِهِ في كلّ كلمة من عباراته. ونجده في سُباَتِهِ العميق كَجَهَلَةِ زمانه لا يفطَنُ إلى شيءٍ بدتْ أماراتُهُ، بل استخدم عِلْمَهُ ومعرفته واستهلك وقته في الرّدّ على شخصٍ هاجم شيخًا من شيوخ الصوفية وهو في غنىً عن ذلك، بينما كان عليه أن يستخدم علمه في إيقاظ المسلمين وإثارة مشاعرهم للوقوف أمام التيارات الهدّامة والفلسفات الماكرة من التصوّف والفرمسونية وأشكال غريبة من الزندقة والكفريات التي أماتت الحميّةَ والغيرةَ الإيمانيةَ في قلب الرجل المسلم وجعلتْ العالمَ الإسلاميَّ فريسةً للأمم الكافرةِ بمدّةٍ قليلةٍ بعد موت ابن عابدين، فانهارت دولة المسلمين، فسقطوا بأيدي أعداءهم، وزحف الغربُ على الوطن الإسلاميّ بكامله فاستعمره، وترك فيها من خبائثه يوم غادره. ثمّ بنوا على أنقاض هذه الدولة العظيمة دويلاتٍ قَزَمَةً وفرّقوا بذلك صفوف المسلمين وشتّتوا شملهم وجعلوهم شيعًا وأحزابًا، كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون.

ولكن لم يستطع شيوخ الصوفية المدرّعون بدفاع ابن عابدين وأمثالِهِ أن يُنْقِذوا المسلمين من هذه البلايا على الرغم من تعظيم ابن عابدين لهم وما يعتقد فيهم من البركة والكرامة والتصرّفات المعنوّية.

ثمّ سجّل ابن عابدين في رسالته (ص/8)، مقطعًا آخر من كلام عبد الوهّاب السوسي، جاء فيه بالاختصار: أنّ عبد الوهّاب استشعر أنه سيصبح هدفًا للأغراضِ على استشهاده بمن هو عدوٌّ لنفسِ الشخص الذي يعاديه، فعابه ابن عابدين بمثل هذا الاستشهاد وبحججٍ أخرى يدلّ كلامه على سعة علمه وكمال معرفته بطرق الاستدلالِ، على الرغم من غفلته عن واقع عصره. إلاّ أنّه نقل شيئًا من كلام ابن حجر الهيتمي الذي تدلّ ألفاظه على انتصاره للصوفية وتساهُلِهِ مع الباطنيةِ على طريقة ابن عابدين، ممّا يسبّب ذلك عدم الثقة برأيهما. ويُستَغرَبُ من مثلهما هذا الموقف.

ثمّ ينهال ابن عابدين على هذا الطاعن في الشيخ خالد بالتكذيب المتواصل، مستدلاًّ بآياتٍ كريماتٍ عدّةٍ، ويرميه بالحسدِ والافتراء والزور، كما يحاول إبراءَ ساحة الشيخ خالد من الكفر والزّندقةِ بدلائلَ منقولةٍ من كُتُبِ الرّجالِ كابن حجر الهيتمي وابن شحنة ... ويعزّزها بطائفةٍ من الأخبار والأشعار.

ثمّ بعد كلّ هذه المقدّمات والتعليلات، والحُكْمٍ على عبد الوهّاب، والإجابةِ على سؤالٍ مفروض بأنّ» القاعدةَ الّتي عليها التّعويل بين أهل التفريع والتأصيل: أنّ الجرح مقدّمٌ على التعديل «.

سلك ابنُ عابدين نفسُهُ خلاف هذه القاعدةِ بحجة:» أنَّ هذه في غير مَن اشتهرت عدالته وظهرت ديانته، وفي غير مَن عُلِمَ أنّ التّكلُّمَ فيه ناشئٌ عن عداوةٍ ... إلخ «. (ص/12)

ثمّ انتقل ابنُ عابدين بعد ذلك إلى شرح أمورٍ متعلّقةٍ بموضوع الطعن فقال:» ولنشرح لك هذا المقالَ تتميمًا للمرام في أربعةِ فصولٍ «. (ض/14)

» الفصل الأوّل: في بيان حقيقة الكرامة «

» الفصل الثاني: في بيان حقيقة الجنّ والفرق بينهم وبين الشياطين، وجواز رؤيتهم والاجتماع بهم «

» الفصل الثالث: في بيان السحر وأقسامه وأحكامه ... «

» الفصل الرابع: في بيان دعوى علم الغيب إلى آخره ... إلخ «

وربما يكون ابنُ عابدين قد أصاب في توضيحاته الّتي أوردها ضمن الفصول الثلاثة الأولى، وقد بذل جهدًا بالغًا في الكشف عن أسرار مفهوم الكرامةِ والسحرِ والاستدراج وأمثالها من الخوارق. ولله درّه في شرح مسائلها وبيان الفوارق الموجودةِ بينها. ونقل ما يتعلّق بها من آياتٍ وأخبارٍ وآراءٍ للعلماءِ. كذلكَ حسنُ ترتيبه لهذه الفصولِ وتبويبه لكلّ مسألةٍ على حدةٍ، وأسلوب استدلاله. كلّ ذلكَ جدير بالتقدير مما يدلّ على معرفته الواسعةِ وباعه الطويل في مختلف العلومِ. ومع هذا المستوى الرفيع والعقل الراجح والحرص المتزايد في استنباط الحقائق فقد انثنى ابنُ عابدين عن منهج العلماء المحقّقين عندما تدخّل في دعوى علم الغيب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير