تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أوّلها، أن يتمسّكوا بمذهب السلف الصالح في التعامل مع كتاب الله العزيز. وأمّا مذهبُ السلف، فهو تركُ التأويل، وعدمُ المبالغة في التفسير، والتفويضُ إلى الله تبارك وتعالى في المتشابهات بلا تعطيل. {وَمَا يَعْلَمُ تَأْويِلَهُ إلاَّ اللهُْ ... }. إنّ الاقتحام في هذا الأمر عدول عن جادّة الصوابِ، كما لا يخفى تمييع أهل التأويل للعقيدة الحنيفةِ ممّا أسفر ذلكَ عن مُعتَقَدَاتٍ باطلةٍ افتتنتْ بها الناسُ وتغذَّت بها النفوس المريضةُ، وقامت على أساسها فِرَقٌ بَاطنيةٌ وأحزابٌ شريرةٌ ضربت الإسلامَ من الدَّاخلِ. ولا يزال المسلمون في شتاتٍ واختلافٍ وتناحُرٍ من جرّائها.

أمّا ثانيها، أن يحذّروا المسلمين من مخالطة الصوفيةِ الّذينَ يظهرون للناسِ في لباس الزهدِ والتّقوىَ، وهم في الحقيقة زائغون عن المنهج الّذي رسمه الله لعباده بأن لا يسلكوا غيره في العبادةِ له تعالى. ولكنّهم أَبَوْا إلاَّ أنْ يخالفوا هذا المنهج، فاختلقوا من تلقاءِ أنفسهم أشكالاً غريبةً من المناسك والتعبّدِ وربما اقتبسوها من طقوس المشركين واليهود والنصارى أسوةً بعبدة الأوثانِ، وتقرُّبًا إلى اللهِ بما يُسخِطُهُ، ورهبانيةً ابتدعوها ما كتب الله عليهم، وما أنزل الله بها من سلطان.

إلاَّ أنّ الأمرَ لا ينبغي أن يكونَ مجرّدَ تحذيرٍ من منطلقِ الحقدِ عليهم والبغض لهم، لأنّ ذلك يثيرهم، فلا يجدي بما هو المطلوب. إذ ليس من المعقول أن يُرجى هدايةُ من يُكرَهُ على الطاعةِ ولو كانت الدعوة إلى الحقِّ الّذي لا مريةَ فيهِ. لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم. (البقرة/256). وقد يكون التشدّد في الدعوة سببًا لتطوُّر الخلافِ بين أصناف الناسِ. إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين. (القصص/56). ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين. (النحل/125). لأنّ التشدّدَ في الدعوةِ ربما يؤدّي إلى تفاقم الفتنةِ والشغبِ، والفتنة نائمةٌ يحرم إيقاظها.

هذا فإنّ مِنْ طبيعةِ عوامّ الناسِ، أنّهم يغترّون دائمًا بظواهر الأمور ويعتمدون على الشكل، لعجزهم عن الإطلاعِ على المقصود به. خاصّةً فإنّ الطبقة العامّية في تركيا معروفة بإفراطها في التقليد. هذه الخصلة أوقعت كثيرًا منهم في الزندقة والبِدعِ باتباعهم شيوخَ الصوفيةِ والمنتحلين. فمتى وجد أحدهم شيخًا مُعمَّمًا وعليه لباس المتنسّكين علقت به نفسه، خاصّةً إذا وجد حولَهُ جماعةً ركن إليه وافتتن به. هذا التقليد الأعمى هو الّذي حمل الناس في هذا البلدِ منذ القديم على اتباعِ شيوخ الصوفيةِ والمبالغة في تعظيمهم وتوقيرهم. حتّى عدّوهم من أولياء الله رجمًا بالغيب، ووصفوهم بما ليس فيم من خصالٍ جليلةٍ، واعتقدوا فيهم ما يستحيل عليهم. وقد بلغ تعلّقهم بمثل هؤلاءِ حتّى إذا تصدّى لهم أحدٌ وأنكر علهم ما يعتقدون في شيخهم من علم الغيبِ والخوارق على أنها من كراماته، تعرّضَ لسخطهم، وربما ناله خطرهم. وقد يشجّعهم موقف شيخهم منهم. لأنّ شيوخ الصوفيةِ يسكتونَ على كل ما يعتقد فيهم أنصارهم مما حرّمه الله، أو ما يستحيل عليهم عقلاً. وربما يثيرونهم على المناوئين.

وليس من القليل ما وجدنا من هذا القبيل، خاصّةً وأنّ المناطقَ التي يسكنها المسلمون من غير العربِ، فإنّ هؤلاءِ الأشخاصَ المستغلّينَ هم أكثر حظًّا في إضلالِ الناسِ وأقدرُ على ذلك في تلك المناطق. كما لا يخفى أنّ الصوفيةَ لا أثر لهم يستحقّ الذكرَ في المناطق العربيةِ. أمّا بقيةُ المسلمين من الأكرادِ والأتراك والشراكسةِ وغيرهم من الأقلّيات العجميةِ، فإنّ العامّةَ منهم تشعر نقصًا بالغًا في نفسِها أمامهم. إذ ينشأُ هذا الشعور من جهلِها بالأمورِ الدقيقةِ في الدين من جهةٍ، كما أنّ الدّياناتِ القديمةَ التي كانت هذه الشعوبُ تعتنقُها في ما سبق، لَها آثارٌ ظلّتْ في نفوسِ البعضِ منهم، ثم تفاقمت وشاعت مع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير