2 ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((المحرّم عليهم صدقة الفرض، وأما صدقات التطوّع فقد كانوا يشربون من المياه المسبّلة بين مكة والمدينة، ويقولون: إنما حرم علينا الفرض، ولم يحرم علينا التطوّع)).
وقال ـ أيضًا ـ: ((وبنو هاشم إذا منعوا من خمس الخمس جاز لهم الأخذ من الزكاة؛ لأنه محلّ حاجة وضرورة، ويجوز لبني هاشم الأخذ من زكاة الهاشميّين وهو محكيٌّ عن طائفة من أهل البيت)) () انتهى.
3 ـ قال ابن مفلح الحنبلي (): ((ومال شيخنا [ابن تيمية] إلى أنهم إن منعوا الخمس أخذوا من الزكاة، وربما مال إليه أبو البقاء، وقال: إنه قول القاضي يعقوب في أصحابنا، وقال: وتجوز إلى ولد هاشميّة من غير هاشمي في ظاهر كلامهم)) ().
4 ـ قال العراقي: ((والصحيح عند أصحابنا: أن المحرَّم عليهم [آل البيت]: الزكاة دون صدقة التطوع، وكذا هو الصحيح عند الحنابلة، وبه قال الحنفيّة؛ وهو رواية أصبغ عن القاسم)) ().
5 ـ قال ابن حجر العسقلاني: ((وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصدقة أوساخ الناس)) ـ كما رواه مسلم ـ ()؛ ويؤخذ من هذا: جواز التطوّع دون الفرض، وهو قولُ أكثر الحنفيّة، والمصحّح عند الشافعية، والحنابلة.
وأما عكسه فقالوا: أن الواجب حقٌّ لازم لا يلحق بأخذه ذلة بخلاف التطوّع)).
وقال ـ أيضًا ـ: ((وجه التّفرق بين بني هاشم وغيرهم أنّ موجب المنع: رفع اليد الأدنى عن الأعلى؛ فأما الأعلى على مثله فلا، ولم أرى لمن أجاز مطلقًا دليلاً إلاّ ما تقدّم عن أبي حنيفة)) ().
6 ـ قال الخطّابي: ((وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ولا يأخذ الصدقة لنفسه، وكأنَّ المعنى في ذلك أنّ الهديّة إنما يراد بها ثواب الدنيا؛
فكان صلى الله عليه وسلم يقبلها ويثيب عليها فتزولُ المنّة عنه. والصدقة يراد بها ثواب الآخرة، فلم يجز أن يكون يد أعلى من يده في ذات الله وفي أمر الآخرة)) ().
قال الشريف: ومن خلال ما نقلنا من كلام العلماء يتبيّن أنّ الصدقة على قسمين: صدقة فريضة، وصدقة تطوّع؛ فأما الفريضة فلا تجوز في حالة وجود الخمس، وأما التطوّع فتجوز؛ لأن العلّة منتفية فيه.
ولا شكّ أن الإحسان إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إن كانوا فقراء أولى من الإحسان إلى غيرهم وسدِّ حاجتهم أولى من سدّ حاجة غيرهم؛ لأنهم اجتمع فيهم الإسلام وحقّ القرابة. والله أعلم. وإذا كان طالب علم فاجتمع فيه ثلاثة أمور وبعض الناس يقول إن الصدقة على آل البيت لا تجوز حتى لو كانوا فقراء معدمين وهذا فقه غريب لأن آل البيت كان صلى الله عليه وسلم يعطيهم من بيت المال ما يسد حاجتهم فلما انعدم ذلك صاروا كغيرهم من عامة الناس بل أقول إن
الصدقة على فقراء آل البيت أولى من الصدقة على غيرهم لأن هذا من البر والصلة التي أمرنا بها أبو القاسم صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان المتصدق من آل البيت فهي صدقة وصلة
وأما الهدية والهبة وغيرها من المسميّات فلا بأس بها، وقد قبلها صلى الله عليه وسلم.
(1) أخرجه مسلم: (كتاب الزّكاة، باب بيان أنّ اسم الصّدقة يقع على كلّ نوع من المعروف، رقم:1005) من حديث حذيفة رضي الله عنه، وأبو داود (باب المعونة للمسلم) [رقم:4947].
(2) التمهيد لابن عبد البر: (3/ 91 ـ 98).
(3) منهاج السنة: (4/ 260)، الاختيارات الفقهية (ص 104).
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رضيتُ لكم عن غسالة الأيدي؛ لأن لكم من خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم)). تفسير ابن جرير الطبري: (13/ 554)، تفسير ابن كثير: (4/ 18).
وقال ابن كثير: ((حسن الإسناد)).
وعن مجاهد قال: (كان آل محمد لا تحلُّ لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس). تفسير ابن جرير الطبري: (13/ 554)، نصب الراية للزيلعي: (2/ 404).
وفي رواية: (قد علم الله أن في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة).
(4) ابن مفلح: محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين، المقدسي، ثم الصالحي: أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد؛ قال عنه ابن قيّم الجوزية: ((وهو
ـ معاصر له ـ ما تحت قبّة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من الشيخ محمد بن مفلح))؛ توفّي ـ رحمه الله ـ سنة 763ه. مقدمة الفروع للمرداوي (24)، الأعلام:
(7/ 107).
¥