تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقت لأهل العراق ذات عرق" رواه أبوداود والنسائي، وعن ابن عمر قال لما فتح هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنا، وإنه جور عن طريقنا، وإن أردنا أن نأتي قرنا شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم. قال فحد لهم ذات عرق. رواه البخاري. ولا منافاة بين هذا وبين توقيت عمر رضي الله عنه إياها كما هو معلوم في مواضعه. وعن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق" رواه أحمد وأبوداود والنسائي.

وهذه الأسماء لهذه المواقيت أسماء أعلام على مواضع معلومة معروة مشهورة لدى سكانها أو مجاوريها وغيرهم. إلا أن لسكانها ونحوهم من الإحاطة بها علمًا ودقة المعرفة بأعيانها ما ليس لغيرهم؛ لذلك لم يقدر النبي صلى الله عليه وسلم المسافات التي بينها وبين الحرم لا بالأميال ونحوها ولا بالمراحل، كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يحد واحدًا منها بحد ولم يصفه بصفة وإنما اقتصر على ذكر أسمائها.

إذا عرف هذا فإنه لا خلاف بين أهل العلم فيما اقتضته الأحاديث من أن "قرن المنازل" ويقال: "قرن" بدون إضافة هو ميقات أهل نجد والطائف ونحوهم.

وقد حصل في تعيين قرن المنازل عدة أوهام:

أحدها – وهو أفحشها – قول من قال: إنه جبل مطل على عرفة أملس كأنه بيضة في تدوره.

والثاني – وهم من قال: إنه جبل قرب قرية المغاسل التي يحرم منها جماهير أهل نجد والطائف ومن تبعهم؛ إذ لا جبل هناك بهذا الإسم أصلا. وعلى تقدير وجوده فإنه لا منافاة بينه وبين مانحن بصدده؛ إلا أحد يزعم أن الإحرام منه نفسه بحال، ولا أحد في قديم الزمان ولا حديثه توخي الإحرام من نفس ذلك الجبل المزعوم.

الثالث – وهو مفرع عن الوهم الثاني وهو تسمية ذلك القرن بقرن الثعالب؛ إذ قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى.

والوهم الرابع – قول من قال: إنه قرية المغاسل وما قاربها فقط؛ وأن بقية الوادي لا يدخل في مسمى الميقات.

وهذه الأوهام إنما صدرت منه عن عدم الإحاطبة علمًا بالناحية التي فيها هذا الميقات. فجاء بعدهم أقوام أخذوها عنهم لحسن الظن بهم.

ولهذا تجد في كتب المعتنين ببيان تفصيل أودية الجزيرة وجبالها وحزومها وسهولها وغير ذلك من العلم ما هو أقرب إلى الصواب من كلام كثير من شراح الحديث وكلام الفقهاء من أهل البلاد النائية؛ ولهذا نجد عبارة صاحب "القاموس المحيط" ما لفظه: وميقات أهل نجد وهي بلدة عند الطائف أو اسم الوادي كله. أهـ.

والحق الذي لا مرة فيه أن "قرن المنازل" إسم للوادي جميعه: أسفله، وأعلاه، وأوسطه، ومن جملته القرية المذكورة وما قاربها.

وكنت قبل أن أحج فريضتي عام ثلاث وأربعين أظن قرن المنازل جبلا، ولهذا لما وصلت إلى الميقات ومكثت ساعات للتهيؤ للإحرام سالت حامد أمير تلك القرية إذ ذات عن جبل قرن. قال: ما حوالينا جبل يسمى قرنا، ثم أشار إلى جبل بعيد عن الوادي. وقال: إلا أن يكون ذلك، وقال أيضًا: إن الوادي نفسه يسمى قرنا. قاله لي في هذه الحجة أو في حجة أخرى بعدها، وإلى جنبي رجال من جماعته من أهل تلك القرية ولم يردوا فيما قاله: من أن قرنا هو نفس الوادي، ومن حينئذ استقر لدي ما ذكره من أنه اسم للوادي نفلسه لكونهم سكان هذا الوادي. وقد كنت قديمًا أسمع باسم "المحرم" وأن من أهل الطائف من يحرم منه، ثم بعد اتصل إلى علمي أن محرمًا هو أعلى وادي قرن، فعلمت أنه إنما اتخذ ميقاتًا من أجل أنه نفس ذلك الوادي، وحديث ابن عباس وابن عمر وغيرهما في المواقيت تنص على توقيت النبي صلى الله عليه وسلم قرنا.

ثم منذ سنوات وبعد أن سعي في تسهيل طريق كرا وغلب على الظن نجاح ذلك سرت إلى مزيد الاحتياط لهذا الميقات المسمى محرمًا، فعهدت إلى لجنة علمية مؤلفة من عالمين فاضلين لديهما من الملكة العلمية والخبرة الوطنية والثقة والنباهة ما لا يوجد عند كثير من أضرابهما. وهما: الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جاسر رئيس هيئة تمييز الأحكام بالمنطقة الغربية حاليًا، والشيخ محمد بن علي البيز رئيس محكمة الطائف – أن يذهاب إلى وادي محرم المذكور وينظرا أهو أعلى وادي قرن المسمى بالمغاسل والمسمى عند آخرين بالسيل أم لا، فذهبا ونظرا وبذلا وسعهما واستصحبا ولابد في مسيرهما خبراء من أهل تلك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير