فصل ٌ: في معرفة الخلاف العالى بين أهل العلم (أهميته و مصادره) ........
ـ[زياد العضيلة]ــــــــ[08 - 08 - 04, 03:17 ص]ـ
الحمدلله الذي بسط لعباده آجالا، وعمرهم أزمانا، أبتلاء وأختبارا، فمن جعل زمنه طاعه، وبذل وقته عبادة، فقد أنجح وأفلح، ومن جعل وقته هباء وعمره خواء، فهو الشقي الخاسر.
وبعد:
فهذا فصل لطيف بينت فيه علما كان طروقه مشهورا عند السلف، وفضله معلوما عند الخلف، حتى نببت نابته وظهرت طائفة، تستنكر هذا العلم، وتجعله سبب فرقة، و سبيل خلفه، بين أهل الملة.
وهذا لعمري نقص في العلم ظاهر من جهة الواقع ومن جهة الفهم.
فما كان غلو طائفة في علم وطريق (عند العقلاء) سببا وطريقا لنبز هذا العلم والتقليل من شأنه.
ولو صدق هذا الفعل لكان دين الاسلام كله في سبيل هذا النقد.
وقد قسمت هذا (المقال) الى قسمين:
1 - معرفة الخلاف وفضله وشيئا من فقهه.
2 - مصادر علم الخلاف العالى (دون النازل).
**************
مقدمة:
أعلم ايه الحبيب أن الله عز وجل قد غاير بين العقول، وفاضل بين الفهوم (قمسة من الله) أرتضاها سبحانه ورضيها عباده المؤمنون.
فتتغاير الافهام، وتتخالف الاحلام، فمنذ الازل لازال الخلق على هذا التنوع في الفهم وهذا التغير في العقل.
قال سبحانه:
(وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما).
فأخبر سبحانه أن سليمان قد فهمه الله وعلمه، وكذا الخلق من قبله ومن بعده.
وكذلك عند ورود النص الثابت والامر الصريح قد يقع الاختلاف في الافهام.
روى البخارى ومسلم: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما رجع من الأحزاب قال: لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم الظهر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد ذلك منا فذكر ذلك للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلم يعنف واحداً منهم).
- الظهر عند مسلم - والعصر عند البخارى.
فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدى الطائفتين ولم يزجر أحد الفريقين لقرينة أحتفت بالامر يحتمل الامر عندها أحد الامرين.
فأذا كان هذا الاختلاف في فهم النص وحكمه بين يدي الرسول الكريم، و قد ورد الامر شفاها عيانا. فيكف بمن بعد.
موقف السلف من الخلاف الفروعي وبعض منافعه:
روى ابن عبدالبر في جامع بيان العلم:
* عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة ورأى أنه خير منه قد عمله.
(وهذا لايعنى ترك الدليل الصريح او مؤدى الاجتهاد الى قول المخالف، قال اسماعيل القاضي: إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توسعة في اجتهاد الرأي فأما أن تكون توسعة لأن يقول الإنسان بقول واحد منهم من غر أن يكون الحق عنده فيه فلا ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا.
قال ابن عبدالبر رحمه الله: كلام اسماعيل هذا حسن جدا).
* و عن رجاء بن جميل قال اجتمع عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد فجعلا يتذاكران الحديث قال فجعل عمر يجيء بالشيء مخالفا فيه القاسم قال وجعل ذلك يشق على القاسم حتى تبين فيه فقال له عمر لا تفعل فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم.
وذكر ابن وهب عن نافع عن ابي نعيم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنه لو كانوا قولا واحدا كان الناس في ضيق وانهم أئمة يقتدى بهم فلو أخذ رجل يقول أحدهم كان في سعة.
* وعن الليث عن يحيى بن سعيد قال ما برح أولو الفتوى يفتون فيحل هذا ويحرم هذا فلا يرى المحرم أن المحل هلك لتحليله ولا يرى المحل أن المحرم هلك.
* وقال يحيى بن سلام لاينبغي لمن لا يعرف الاختلاف أن يفتي ولا يجوز لمن لا يعلم الاقاويل أن يقول هذا أحب إلي.
* وعن يزيد بن زريع قال سمعت سعيد بن أبي عروبة يقول من لم يسمع الاختلاف فلا تعده عالما أخبرنا خلف.
* وعن عباس الدوري قال سمعت قبيصة بن عقبة يقول لا يلفح من لا يعرف اختلاف الناس.
* وقال محمد بن عيسى وسمعت هشام بن عبيد الله الرازي يقول من لم يعرف اختلاف القراء فليس بقارئ ومن لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقية.
* و عن حمزة بن ربيعة عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال لا ينبغي لا حد أن يفتي الناس حتى يكون عالما باختلاف الناس فإنه لم يكن كذلك رد من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه.
* و عن سفيان بن عيينة يقول سمعت أبا أيوب السختياني يقول أجسر الناس على على الفتيا أقلهم علما باختلاف العلماء وأمسك الناس عن الفتيا أعلمهم باختلاف العلماء.
* و عن سعيد عن قتادة قال من لم يعرف الاختلاف لم يشم الفقه بأنفه.
وقال الشافعي رحمه الله في الرسالة على لسان مناظره:
فإني أجد أهل العلم قديما وحديثا مختلفين في بعض أمورهم فهل يسعهم ذلك؟
قال: فقلت له: الاختلاف من وجهين: أحدهما محرم و أقول ذلك في الاخر.
قال فما الاختلاف المحرم: قلت: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصا ((بينا)): لم يحل الاختلاف فيه ((لمن علمه)).
وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياسا، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإن خالفه فيه غيره: لم أقل إنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص. أنتهى كلامه بتمامه يرحمه الله.
وذكر الشافعي رحمه الله ان من شروط الفتيا العلم باختلاف الناس قال رحمه الله:
(ويكون بعد هذا مشرفاً على اختلاف أهل الأمصار وتكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي).
رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه.
وذكر الخطيب رحمه الله أن من شروط المفتى:
الثالث: العلم بأقويل السلف فيما أجمعوا عليه وأختلفوا فيه.
يتبع بأذن الله تعالى.
¥