[من أحكام الكلام في المسجد.]
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[30 - 10 - 03, 04:27 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
المسألة الأولى: حكم الكلام المحرم في المسجد:
لا خلاف بين أهل العلم في تحريم الغيبة، والنميمة، والكلام البذيء في داخل المسجد، ويزداد التحريم إذا كان هناك رفع للصوت وتشويش على المتعبدين، ويستدل لذلك بما يلي:
1 – قال تعالى: " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ... " [آية 36 من سورة النور].
قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره (6/ 62) [أي أمر لله – تعالى – برفعها، أي: بتطهيرها من الدنس، واللغو، والأفعال، والأقوال التي لا تليق فيها، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة: " في بيوت أذن الله أن ترفع " قال: نهى الله – سبحانه – عن اللغو فيها، وكذا قال عكرمة، وأبو صالح، والضحاك، ونافع بن جبير، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وسفيان بن حسين، وغيرهم من علماء التفسير].
ونقل البغوي – رحمه الله – في تفسيره (6/ 50) عن الحسن، قولَه: أي تعظَّم (1)، أي: لا يذكر فيه الخنا من القول.
2 – عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بنى رحبةً في ناحية المسجد، تسمى: (البطيحاء)، وقال: من كان يريد أن يَلْغَطَ، أو ينشد شعراً، أو يرفع صوته، فليخرج إلى هذه الرحبة (2).
وجه الاستدلال: أن عمر – رضي الله عنه – أمر من أراد أن يلغط، بالخروج من المسجد، وما ذاك إلا لعلمه – رضي الله عنه – بالنهي عن ذلك.
قال الباجي في المنتقى (1/ 312): [ولما رأى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كثرة جلوس الناس في المسجد، وتحدثهم فيه، وربما أخرجهم ذلك إلى اللغط، وهو: المختلط من القول، وارتفاع الأصوات، وربما جرى أثناء ذلك إنشاد شعر، بنى هذه البطيحاء إلى جانب المسجد، وجعلها كذلك، ليتخلَّص المسجد لذكر الله – تعالى – وما يحسن من القول، و يتنزَّهَ من اللغط، وإنشاد الشعر، ورفع الصوت فيه، ولم يُرِدْ أن ذلك محرمٌ فيه، وإنما ذلك على معنى الكراهية، وتنزيه المساجد، لا سيما مسجدُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فيجب له من التعظيم، والتنزيه ما لا يجب لغيره].
3 – قياس الأولى: فإذا كانت مثل هذه الأشياء منهيٌ عنها خارج المسجد، ففيه أولى، وذلك لحرمة المكان.
قال شيخ الإسلام – رحمه الله – في مجموع الفتاوى (22/ 200): [وأما الكلام الذي يحبه الله ورسوله في المسجد فحسنٌ، وأما المحرم فهو في المسجد أشد تحريماً، وكذلك المكروه، ويكره فيه فضول المباح].
4 – قياس الكلام المحرَّم على أكل البصل، والثوم، والكراث، قال القرطبي: [قال العلماء: وإذا كانت العلَّة في إخراجه من المسجد أنَّه يُتَأَذَّى به، ففي القياس: أنَّ كلَّ من تأذى به جيرانه في المسجد، بأن يكون ذَرِبَ اللسان سفيهاً عليهم ... وكلُّ مايتأذى به الناس كان لهم إخراجه، ماكانت العلة موجودةً فيه حتى تزول].
وقال أيضاً: [قال أبو عمر بن عبد البر: وقد شاهدتُ شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام – رحمه الله – أفتى في رجلٍ شكاه جيرانه، واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه، ويده، فَشُوُوِرَ فيه؛ فأفتى بإخراجه من المسجد وإبعاده عنه، وألا يشهد معهم الصلاة! إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه.
فذاكرته يوماً أمره، وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك، وراجعته فيه القول، فاستدل بحديث الثوم، وقال: هو عندي أكثرُ أذىً من أكل الثوم، وصاحبه يمنع من شهود الجماعة في المسجد]. (3)
الحواشي:
1 - إلى هنا انتهى كلام الحسن، وما بعده من كلام البغوي – رحمهما الله -، وانظر تفسير عبد الرزاق (2/ 442).
2 - أخرجه مالك بلاغاً (1/ 175)، ووصله البيهقي في سننه (10/ 103) من طريق الإمام مالك، قال الألباني – رحمه الله – في تعليقه على إصلاح المساجد (112): رجاله ثقات، ولكنه منقطع بين سالم، وجده عمر. ا هـ.
¥