والثاني: الاشتغال بالكتب المختصرة كالحاوي الصغير وأمثاله فإنه يكل ذهنه وشعبه في حل ألفاظه من غير احتواء على حقيقة الفقه، ويعتقد مع ذلك بفقه فيقع في أمثال هذا وكتاب الحاوي المذكور وأمثاله كتب حسنة مليحة جيدة ينتفع بها في استحضار مسائل الفقه، والإشارة إلى أحكامها من معرفة من خارج فيكون عمادا على غيره، وأما إن الفقه يتناول منه فلا وغاية من يحفظه أن تحصل له فضيلة في نفسه لأفقه.
والفضيلة ثلاثة أقسام:
أحدها: معرفة الأحكام الشرعية الفروعية وتناولها من الكتاب، والسنة وأقوال الأئمة المعتبرين ومعرفة مأخذها، وهذا هو الفقه وأصحابه هم المسمون بالفقهاء.
والثاني: معرفة العلوم الشرعية مطلقا كالتفسير، والحديث وأصول الدين من غير تنزيل إلى المدارك الفقهية وأصحابه يسمون علماء.
و الثالث: فضائل خارجة عن القسمين، وهي في العلوم قريبة من الصنائع فهذه أصحابها، وإن سميناهم فضلاء لا نسميهم فقهاء ولا علماء، وإنما يغلط كثير من الناس فيهم يعتقدون أنهم فقهاء، أو علماء لكونهم لا يفرقون بين الفضلاء، والعلماء، والفقهاء، والمشتغلون بالحاوي خاصة من القسم الثالث). انتهى
==================
أحسن الله إليك أخي زياد على الفائدة من كلام العلامة السبكي، نعم ذكر ذلك في الجزء الأول من الفتاوى له 1/ 458.
============================
قال الشيخ زياد - حفظه الله ووفقه لما يحبه ويرضاه:
المذهب المالكي.
قلت: هذا لفظ مركب من كلمتين، المذهب والمالكي، وبفهم جزئي اللفظ كل على حِدة يفهم المعنى المركب منهما:
فالمذهب لغة: مكان الذهاب، مأخوذ من ذهب يذهب ذهابا ومذهبا إذا سار ومضى.
ثم استعير لما ذهب إليه المجتهد من الأحكام تشبيها للمعقول بالمحسوس.
والمالكي: نسبة للإمام مالك بن أنس الأصبحي أبو عبد الله 93 - 179 هجرية، أحد الأئمة المتبوعين المشهورين.
وعلى ذلك يكون المراد بالمذهب المالكي ما ذكره العلامة القرافي في كتابه [الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ... ] ص 194 - 200 جوابا عن سؤال ملخصه؛ ما معنى مذهب مالك الذي يقلد فيه، ومذهب غيره من العلماء .... ؟ فأجاب بقوله: (ما اختص به من الأحكام الشرعية الفروعية الاجتهادية، وما اختص به من أسباب الأحكام، والشروط، والموانع، والحجاج المثبتة لها) وقد شرح ما ذكره شرحا وافيا في كتابه المذكور فلا نطيل بذكره.
وقد لاحظ الفقهاء أن هذا الفهم لمسمى المذهب يضيق دائرة الأقوال والآراء الفقهية التي تندرج تحت مظلته، لأنه يخرج أقوال تلاميذ الإمام، والاجتهادات الفقهية لمن جاء بعدهم من أتباع الإمام من المتقدمين والمتأخرين، و الواقع المشاهد خلاف هذا، فذهبوا إلى أن (المراد بمذهبه: ما قاله هو وأصحابه على طريقته، ونسب إليه مذهبا، لكونه يجري على قواعده، وأصله الذي بنى عليه مذهبه، وليس المراد ما ذهب إليه وحده دون غيره من أهل مذهبه) حاشية العدوي1/ 35.
جاء في [عنوان الدرية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية] لأبي العباس الغِبْرِيني ص101 أن أبا العباس سأل شيخه أبا القاسم ابن زيتون عن اختيارات المتأخرين من الأصحاب كابن بشير واللخمي: ( ... فقال لي نعم، يحكى قول اللخمي وغيره قولا في المذهب، كما يحكى قول من تقدم من الفقهاء قولا في المذهب ... ) ثم قال الغبريني معقبا: (وأما جواب الفقيه أبي القاسم؛ فإنه مبني على سبيل النظر، لأنه رأى أن كل جواب بني على أصول مذهب مالك وطريقته، فإنه من مذهبه، والمفتي به إنما أفتى على مذهبه، فيصح أن تضاف الأقوال إلى المذهب وتعد منه).
وبهذا دخلت أقوال تلاميذ الإمام وأتباع مذهبه من العلماء المجتهدين ضمن مسمى المذهب، إذ كانت تسير على أصوله، ومخرجة على قواعده التي عرف بالاجتهاد على طرائقها، وبهذا توسع جدا مفهوم المذهب عند جماعة من الفقهاء، مما دعا المتأخرين لضبط هذا الأمر، فاصطلحوا على إطلاقه - كما قال الشيخ على العدوي 1/ 34 – (عند المتأخرين منهم على ما به الفتوى، من باب إطلاق الشئ على جزئه الأهم، مثل قوله – صلى الله عليه وسلم – (الحج عرفة) لأن ذلك هو الأهم عند الفقيه والمقلد).
¥