أقول في باب الإمام ينهض بالركعتين من (جامع الترمذي): ((قال محمد بن إسماعيل [البخاري]: ابن أبي ليلى هو صدوق، ولا أروي عنه لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً))
والبخاري لم يدرك ابن أبي ليلى، فقوله ((لا أروي عنه)) أي بواسطة،وقوله ((وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً)) يتناول الرواية بواسطة وبلا واسطة، وإذا لم يرو عمن كان كذلك بواسطة فلأن لا يروي عنه بلا واسطة أولى، لأن المعروف عن أكثر المتحفظين أنهم إنما يتقون الرواية عن الضعفاء بلا واسطة، وكثيراً ما يروون عن متقدمي الضعفاء بواسطة.
وهذه الحكاية تقتضي أن يكون البخاري لم يرو عن أحد إلا وهو يرى أنه يمكنه تمييز صحيح حديثه من سقيمه وهذا يقتضي أن يكون الراوي على الأقل صدوقاً في الأصل فإن الكذاب لا يمكن أن يعرف صحيح حديثه.
فإن قيل قد يعرف بموافقته الثقات لروى عن ابن أبي ليلى ولم يقل فيه تلك الكلمة فإن ابن ليلى عند البخاري وغيره صدوق وقد وافق عليه الثقات في كثير من أحاديثه ولكنه عند البخاري كثير الغلط بحيث لا يؤمن غلطه حتى فبما وافق عليه الثقات، وقريب منه من عرف بقبول التلقين فأنه قد يلقن من أحاديث شيوخه ما حد ثوابه ولكنه لم يسمعه منهم، وهكذا من يحدث على التوهم فأنه قد يسمع من أقرأنه عن شيوخه ثم يتوهم أنه سمعها من شيوخه فيرويها عنهم.
فمقصود البخاري من معرفة صحيح حديث الرواي من شيوخه بمجرد موافقة الثقات، وإنما يحصل بأحد أمرين:
1) إما أن يكون الراوي ثقة ثبتا فيعرف صحيح حديثه بتحديثه
2) وإما أن يكون صدوقاً يغلط ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطريق أخرى كأن يكون له أصول جيدة، وكأن يكون غلطه خاصاً بجهة كيحيى بن عبد الله بكير روى عنه البخاري وقال في (التاريخ الصغير): ما روى يحيى [ابن عبد الله] بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني اتقيه)) ونحو ذلك.
فإن قيل قضية الحكاية المذكورة أن يكون البخاري التزم أن لا يروي إلا ما هو عنده صحيح فأنه إن كان يروي مالا يرى صحته فأي فائدة في تركه الرواية عمن لا يدري صحيح حديثه من سقيمه؟ لكن كيف تصح هذه القضية مع أن كتب البخاري غير الصحيح أحاديث غير صحيحة، وكثير منها يحكم هو نفسه بعدم صحتها؟
قلت: أما ما نبه على عدم صحته فالخطب فيه سهل وذلك بأن يحمل كونه لا يروي ما لا يصح على الرواية بقصد التحديث أو الاحتجاج فلا يشمل ذلك ما يذكره ليبين عدم صحته، ويبقى النظر فيما عدا ذلك، وقد يقال أنه إذا رأى أن الراوي لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه تركه البتة ليعرف الناس ضعفه مطلقاً، وإذ رأى أنه يمكن معرفة صحيح حديثه من سقيمه في باب دون باب ترك الرواية عنه في الباب الذي لا يعرف فيه كما في يحيى بن بكير، وأما غير ذلك فأنه يروي ما عرف صحته وما قاربه أو أشبهه مبيناً الواقع بالقول أو الحال. والله أعلم. انتهى.
وهناك فوائد أخرى تجدها على هذا الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=24516#post24516
فتبين لنا بهذا ولله الحمد صحة الحديث وأن الإمام البخاري رحمه الله لايروي عن راو فيه ضعف إلا إذا كان يميز أحاديثه فينتقى منها الصحيح ويدع الضعيف.
ـ[هشام المصري]ــــــــ[27 - 12 - 04, 11:06 م]ـ
أخ محمد احمد جلمد: هل تقصد أن عطية بن قيس ليس بثقة؟
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[27 - 12 - 04, 11:12 م]ـ
عطية بن قيس معروف بالصدق، لكنه ليس ممن يحفظ الحديث ويتحرى اللفظ الصحيح. ولذلك الإمام البخاري علق ذلك الحديث (ولعل الأدق تسميته: حوالة) في باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه. ولم يذكره في باب المعازف لشذوذ تلك اللفظة. وقد بينت ذلك في بحث طويل في هذا المنتدى، فليراجع فإني لم أحتفظ به في المفضلة.
أما ثبوت سماع المعازف، فقد صح عن البعض فقط، وأكثر الذي يذكرونه في هذا الباب باطل لا يصح.
ـ[هشام المصري]ــــــــ[27 - 12 - 04, 11:19 م]ـ
جزاك الله خيرا يا محمد الأمين و لعل الرواية الآخرى للحديث التى تدور حول مالك بن أبى مريم هى الأقرب للصواب.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[27 - 12 - 04, 11:28 م]ـ
مسألة سماع المعازف أو فعلها أكثر أهل العلم على منعها ورخص فيها بعضهم فلذلك لاتعتبر من مسائل الإجماع، ولكن المقصود باستماع المعازف عند من أجازها مثل العود ونحوه، وليس فيه فحش وتخنث ودعوة إلى الخنا والفجور كما هو الغالب على الغناء الآن، فالغناء الموجود الان لايقول عالم شم رائحة الفقه والعلم بجوازه وليس هذا هو الذي رخص فيه بعضهم، فمن قال بجواز استماع الغناء بالمعازف في هذا العصر مستدلا بقول من رخص فيه من السلف فهو مدلس خائن فأين هذا من هذا، وأيضا فلم يكن الغناء إلا في أوقات محددة في المناسبات ونحوها فلم يكن يشغل أوقاتهم ويغلب عليهم سماعه.
بارك الله بك شيخنا عبد الرحمن. فهذا الذي تفضلتم به صحيح بلا شك. وبخاصة قولكم: "فالغناء الموجود الان لايقول عالم شم رائحة الفقه والعلم بجوازه وليس هذا هو الذي رخص فيه بعضهم". كما أحب التنبيه إلى الفرق بين مسألة المعازف (وهي الآلات الموسيقية) وبين مسألة الغناء. وكثير ممن أجاز المعازف قصد بها التأثيرات الصوتية التي قد تضاف للأناشيد الإسلامية، ولم يقصد بها إباحة سماع أغاني الفاجرات من أمثال أم كلثوم وفايزة أحمد.
¥